أطلق النائب يوسف الفضالة عدة تغريدات ملتهبة، منتقداً واجهة البلد ووجهها مطار الكويت الذي أضحى "سواد وجه" الدولة، ودعا النائب إلى إغلاق صالة التشريفات المخصصة لأعيان الدولة ورموزها الأزليين كي يشاهد هؤلاء الوجه الحقيقي البشع للخدمات في المطار، حيث تتمدد طوابير الانتظار للقادمين، وبالأخص للوافدين من غير مواطني دول مجلس التعاون، ثم طوابير انتظار ثانية قاتلة لسير الحقائب، ثم هناك نقص لمواقف السيارات، وغير ذلك من أمور ليست غريبة على سوء وفساد الإدارة الحكومية بالدولة.طبيعي صالة التشريفات لن تغلق مهما أحرق النائب من دمه، كما تحرق بكل موسم سفر دماء كل المغادرين والقادمين للدولة، فهذه الصالة هي رمز كبير لمظاهر السلطة وممارستها لأهل البشوت السوداء من راسمي الابتسامات الدبلوماسية العريضة، فتلك الصالة مثلها مثل الكثير من الامتيازات والتسهيلات التي تقول للناس الرعية "احنا غير"، ولا يمكن أن يستوي الذين يملكون ويسيطرون والذين لا يملكون، وتظل فكرة النائب الفضالة بدعوة الكبار إلى تذوق طعم معاناة الآخرين المنسيين مطلوبة، وإن كانت شبه مستحيلة، لكن أليس من الأفضل تعميم وفرض حالة التذوق المر ليس في مطار سواد الوجه وإنما في كل مؤسسات الدولة دون استثناء؟
المطار آخر الأمر مجرد وجه معتم مؤشر لحالة الفساد في الإدارة، ماذا عن بقية مؤسسات الدولة؟ أليس (من باب التمني) أن يتذوق كبار المسؤولين الذين يعيشون في عالم آخر غير الذي نعرفه بعضاً من مرارة مراجعتها؟! ماذا لو تنكر مسؤول كبير في شخصية مراجع وتقدم لبلدية الكويت التي يعجز عن حمل فسادها البعارين (بتعبير سمو الأمير حين كان رئيساً للوزراء) للحصول على "شهادة أوصاف" لنقل ملكية عقار مبني في بلد كامل الأوصاف، ليشهد هذا المسؤول بعينه تكلفة الرشوة المطلوبة للحصول على مثل تلك الشهادة، وبمقدار المبلغ المطلوب يمكن الحصول على الشهادة بالسرعة المقررة، سواء كان صاحب العقار مخالفا أو لا، فكل شيء وله ثمنه.ماذا لو جرب مسؤول آخر تجربة إيصال تيار لعقار له من وزارة الكهرباء، وسأل عن سعر الإيصال حسب الأصول المتعارف عليها؟ ماذا لو تذوق هذا الكبير مرارة الانتظار الطويلة، والتيه في الركض بين إدارات الدولة، والضياع في دهاليز البيروقراطية في إمبراطورية الحكومة الإلكترونية؟ ماذا لو أراد مسؤولون آخرون مثلاً تجربة رفع دعاوى، وتقدموا لقسم الإعلان بوزارة العدل متنكرين بشكل بؤساء متقاضين، كم المبلغ الذي سيطلب من المتقاضين أحياناً دفعه لتقديم "خدمة خاصة" كي يخرج "البعض" من مندوبي الإعلان، ويعلن صحيفة الدعوى في الوقت المطلوب الذي حددته المحكمة؟!ماذا لو تنكر مسؤول بشكل وافد، وأراد نقل إقامة قريب أو تجديد إقامته؟ ماذا لو طلب منهم "دفع إتاوة" خدمة لتقديم الخدمة؟ قيسوا على صالة التشريفات حالات لا يمكن حصرها لقضايا الفساد الصغير (الرشوة التي لم تعد محصورة ببلدية البعارين)، نسميه الفساد الصغير الذي أخذ يخنق البلد ويدمر ما تبقى من قيم أخلاقية بالمقارنة للفساد الكبير المتمثل في ممارسات تقطيع البقية الباقية من كعكة الدولة... ليست الحكاية في النهاية صالة تشريفات، وإنما هي حكاية فساد صغير وكبير ينموان ويتكاثران مثل الخلايا السرطانية، ماذا يمكن أن نصنع معه، ومع أربابه الذين لا يتغيرون ولا يتبدلون؟!
أخر كلام
صالات الفساد
10-09-2017