لا تعدو مطالبات وزير العدل وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة فالح العزب بوقف منع السفر عن المدينين الذين تقل ديونهم عن ألف دينار، أن تكون إلا صورة لتعطيل بعض أحكام قانون المرافعات التي تسمح للدائنين باتخاذ كل إجراءات التنفيذ بحق المدينين، ومن بينها أوامر منع السفر، لإرغامهم على تنفيذ الأحكام.

ويبرر الوزير دعوته تلك بحرية التنقل التي كفلها الدستور تارة وتطبيق روح القانون تارة أخرى، رغم أن من يوقع أوامر منع السفر هم قضاة منتدبون من المجلس الأعلى للقضاء.

Ad

وبعدما أعلن الوزير في يوليو الماضي عزمه توجيه إدارة التنفيذ إلى عدم إصدار أوامر منع سفر على المواطنين والمقيمين التي تقل مديونياتهم عن مئة دينار، جدد قبل أيام رفضه صدور هذه الأوامر على من تقل مديونياتهم عن ألف، في مخالفة صريحة لقانون المرافعات وتَعدٍّ على صلاحيات القضاة المنتدبين من «الأعلى للقضاء» إلى إدارة التنفيذ، والذين أوكلت إليهم المادة ١٨٩ من هذا القانون العمل على تنفيذ الأحكام دون تدخل الوزير أو مسؤولي وزارته.

وتصطدم دعوة الوزير بالمادتين ٢٩٧ و٢٩٨ من قانون المرافعات المدنية والتجارية، واللتين تسمحان للدائنين، أفراداً وشركات وجهات رسمية، ومنها إدارة الرسوم القضائية التابعة لوزارة العدل، باتخاذ الإجراءات التنفيذية ضد المدينين لإجبارهم على تنفيذ الأحكام، كالحجز على عقاراتهم أو منقولاتهم أو حساباتهم البنكية أو سياراتهم، إلى جانب طلب منعهم من السفر، فضلاً عن الحبس.

ويمثل قصر الوزير اتخاذ إجراءات منع السفر على مدينين دون آخرين، بسبب قلة المبالغ التي عليهم، مخالفة قانونية تعرضه للمساءلة الجنائية أمام لجنة التحقيق الدائمة بمحكمة الوزراء لتعطيله تنفيذ أحكام قانون المرافعات، وامتناعه عن تحصيل الأموال العامة بتنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحة إدارة الرسوم القضائية المحكوم لها بمبالغ من قاضي الأمور الوقتية، بذريعة أنها تقل عن ١٠٠ دينار أو ألف، لاسيما أن القانون خلا من أي قيد على مباشرة أي إجراء للتنفيذ، لدى صدور أحكام بمبالغ ضئيلة، كالتي ينادي الوزير معها بعدم اتخاذ إجراءات منع السفر.

وفي حسابه على «تويتر» اعتبر الوزير أن هناك فارقاً لدى القانون بين الأحكام والرسوم القضائية، غير أن هذا ليس دقيقاً، ذلك لأن «إدارة الرسوم» لا تلجأ إلى إدارة التنفيذ بطلب منع السفر مباشرة، رغم أنها إدارة تابعة للوزارة ويفترض بالوزير معرفة إجراءاتها، وإنما تقدم إدارة الرسوم طلباً إلى قاضي الأمور الوقتية، شأنها شأن باقي الدائنين، وتتحصل على أمر أداء بالمبلغ الذي تطالب به المدينين المتخلفين عن السداد، وهي عبارة عن فروق مالية ظهرت في طلباتهم القضائية أمام المحاكم أثناء نظر قضاياهم، فتعمل على المطالبة بتلك الرسوم، لاسيما أنها المسؤولة عن التحصيل مع خضوعها في هذا الأمر لرقابة ديوان المحاسبة.

وبعد أن تحصل إدارة الرسوم القضائية على أحكام لصالحها على شكل أوامر أداء صادرة من قضاة الأوامر الوقتية ضد المدينين، بمبالغ قليلة، تقدم طلباً إلى قاضي «التنفيذ»، كأي دائن، لمنع سفر المدين المحكوم ضده، رغم أحقيتها في اتخاذ أي إجراء أكبر ينص عليه قانون المرافعات لإلزامه بالسداد مثل الضبط والإحضار أو الحجز على مركباته أو عقاراته.

ويأتي صدور أوامر منع السفر على المدينين بمبالغ قليلة لأن التي تطالب بتلك المبالغ هي إدارة الرسوم القضائية التي لا تمييز لديها بين قيم ما تحصله للخزانة العامة، لاسيما أن القانون يعفيها من سداد أي رسوم لاستصدار تلك الأوامر أو لدى اتخاذ إجراءات تنفيذها، بعكس مطالبات البنوك والشركات أو الأفراد ضد المدينين، إذ على كل منها في هذه الحال سداد 5 دنانير لتقديم طلب منع السفر أو «الضبط والإحضار»، لذا لا توجد مطالبات للبنوك تقل عن 5 دنانير، بعكس الحال مع إدارة الرسوم المعفاة من ذلك!

أما إذا أراد الوزير إدخال قراراته، ذات الطابع الشعبي، إلى حيز التنفيذ، فعليه أن يطالب مجلس الأمة بتعديل قانون المرافعات لتحديد إجراءات لتنفيذ الأحكام ضئيلة القيمة، وبيانها على سبيل الحصر، واستبعاد إصدار أوامر منع السفر عليها، حيث إن في تطبيقها، قبل التعديل، إضعافاً للعمل المؤسسي القائم على تطبيق القانون، خصوصاً أن القانون لا يمنع اتخاذ إجراء من إجراءات التنفيذ كمنع للسفر لمدين محكوم عليه بمليون دينار وآخر محكوم بدينار واحد!

وأخيراً، فإن وضع قيود مسبقة على قرارات منع السفر سيضر الدائنين، بذريعة أن المبالغ التي يطالبون بها قد تقل عن ألف دينار، وهو ما سيدفعهم إلى العمل على اتخاذ ضمانات أكثر لاستيفاء مطالباتهم المالية، مادامت قرارات الوزير ستحول دون استصدار «منع السفر» لمن تقل ديونه عن هذا المبلغ!