سعيد عقل أحد أبرز الوجوه الشعرية في العالم العربي. توفي عام 2014 تاركاً كنوزاً من القصائد. مدينة زحلة اللبنانية التي ولد فيها عام 1912 احتفلت به أخيراً، وبدأ الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني، تلاه عرض مقتطفات شعرية مصورة للشاعر والأديب الراحل على وقع الفرقة الموسيقية وجوقة مدرسة القلبين الأقدسين بقيادة روزي غرة. كذلك رنّمت كارلا رميا أغنية كرمت فيها الجيش اللبناني، إضافة إلى باقة من أغاني السيدة فيروز التي كتب كلماتها عقل، افتتحتها بأغنية «ردني إلى بلادي».ألقى رئيس بلدية زحلة المعلقة وتعنايل المهندس أسعد زغيب كلمة خلال التكريم، قال فيها: «اليوم تحت عيون سيدة زحلة، وجهك سعيد يلمع تحت شمس السهل الأخضر المدرور بالخيرات، وجهك سعيد صفحة تاريخ على خديها في سطرين، سطر مجد وكرامة، وسطر شعر وإبداع. اليوم وتحت عيون سيدة زحلة وجهك مثل وجه أرضي، مثل وجه بلادي الذي لا يغيب. قطعة شمس تنتحر في طرف لتعيش في طرف آخر. عمرك من عمر الشموخ ومن عمر الأيام التي رحلت والأيام التي ستأتي، عمرك من عمر مجد يأبى الرحيل، كتب البطولة ولم يتعب، حرق الأحرف على مذبح الكلمة ولم يشبع، غرقك بالإبداع واحترق هو، جرب قتلك مرة لكن الموت هو الذي مات، وأنت ما زلت ساكناً في كل واحد فينا».
«زحلة اليوم ستكون كتابك، وفوق حروفها ستغزل حكاية يومية، عن قلبك النابض عن حلمك الذي زرع دروبنا بالأمل، عن عمر النضال فيك»، قال زغيب، وتابع: «ستخبر زحلة عن مارد جار القمر، صنع التاريخ وصار هو موطن الإنسان. أنت الذي قلت سنبقى وهكذا صار، كلماتك ستختصر الحروف وحروفك تختصر الكلمات، سعيد عقل يا حكاية العشق بين الحبر والورق، حكاية تاريخ لا يكتب سوى الأمجاد، أمجاد بلد صار هو التاريخ، زحلة اليوم تكرم كبيراً من كبارها، شخصاً حفر الكلمات بإزميل الكرامة الوطنية، شاعراً هندس الحروف وعمر الكلمات، شاعراً يخلق كل يوم بكل نبض جديد».وقدم زغيب لممثل رئيس الجمهورية تمثالاً عبارة عن يد المفكر والفيلسوف والشاعر الراحل سعيد عقل، فرد جريصاتي شاكراً، وقال: «شرفني وكلفني فخامة الرئيس ميشال عون بأن أمثله في تكريم الشاعر الراحل سعيد عقل. هي قصة كبيرة تسجل في السجل الذهبي لتاريخ لبنان بين عملاقين، عملاق الكلمة، عملاق مدينة زحلة في الشعر والأدب والفلسفة والفن، وعملاق لبنان في الوطنية والكرامة والعزة والعنفوان العماد ميشال عون».
كلمة متلفزة
لفرادة الاحتفال وأهمية المحتفى به، أطلّ رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون عبر شاشة عملاقة، بكلمة متلفزة مباشرة بمناسبة التكريم، فقال: «سعيد عقل، المفكر، والشاعر، اللبناني المقاوم، المعلم المقدام وصانع الأحلام. هذا الطليعي الآتي من زحلة إلى العالم، إتَّقد فكره بالتطلعات، بالشغف، بالأحلام، بلبنان. طوع الأبجدية، وأخرج منها شعراً ندر جماله، تغلغل كالخدر في ذاكرتنا وأغاني العمالقة، وحفر في الأدب العربي لغة جديدة لا تشبه سواه، إن نسج الغزل، فاقت رقة القصيدة عيون العشاق، وإن بنى عمارة القصيدة الوطنية نشعر معها بأن لبنان مارد بعظمة شعبه، ووجوده، ورسالته». لا قياس لحبِّ هذا الرجل لوطنه، قال عون، فهو تغنَّى بلبنان حتى الثمالة، وأغناه شاعرية وكلاماً منحوتاً من معدن الأقوياء. «يرفع لبنان فوق المصالح الصغيرة، وصراع الكبار، وأطماع المحتلين، وتشتت أبنائه، ليخرج من مصهر سعيد عقل مصقولاً بالحضارة، والإبداع، والرقي، والتفرد».جمعت الرئيس، كما أشار، بهذا العملاق صداقة زادته إيماناً بالخط الوطني، الذي التقيا عليه. «كان معجوناً بالشأن الوطني، وقاطعاً كالسيف في مواقفه وآرائه. يشبه عنفوان زحلة في ما يدافع عنه، ومذاق كرومها حين يتغنَّى بلبنانيته. ولو شاء اليوم أن يحكي، لحمل إنجيله الوطني «لبنان إن حكى»، يروي به يباس من جفت نفوسهم عن حب وطن كبير، قادر بضيق مساحته على جعل العالم أكثر بهاء، مذ حمل ألواح الأبجدية، وطاف بها على الشواطئ البعيدة».وتابع: «تشتاقك أصوات الكبار والأغاني، يا شاعر لبنان العظيم. تركت لنا أجمل ما لحن وأطرب ورافق صباحاتنا والأماسي، رافعاً الحنين إلى المدن العربية، التي غازلتها بشعرك إلى مراتب العشق والفخر والثورة».وتوجه إلى المكرم بالقول: «سعيد عقل، اليوم، بعد ثلاث سنوات على غيابك، يحضرني ما كتبته عندما تلقيت نبأ رحيلك: لن ننسى من زحلن لبنان ولبنن العالم. من زرع فينا حلماً وجعله وسع آفاق الضمير».وختم: «نعم لن ينساك لبنان، وستبقى في ضمير أجيالنا ما دام فيها مكان للحلم وللاقدام وللتمرد».