ألاحظ في هذه الأيام أخطاء كبيرة يقع بها بعض الوزراء والنواب، وهذا ليس بمستغرب لأن الأخطاء واردة في كل عمل، ولكن المستغرب هو سكوت بعض النواب وبعض الكتل والجماعات السياسية عن بيان هذه الأخطاء والدعوة إلى تصحيحها ومعالجتها رغم أنهم كانوا في السابق من أكثر الجهات انتقادا وصراخا بالويل والثبور، والأخطر من ذلك أن يقوم هؤلاء بتمجيد الوزراء والنواب المخطئين وتصوير أعمالهم بالإنجازات الكبيرة وهي ليست كذلك. ويلاحظ أن هذا التلبيس يقوم به بالإضافة إلى بعض النواب والجماعات السياسية مغردون وصحف ورقية وإلكترونية ممن كانوا يعظمون أخطاء بعض الوزراء والنواب السابقين أو يفترون عليهم بالأكاذيب في حملات مستمرة.
وهذا الموضوع من أخطر وأهم المواضيع في نظري لأن النقد العلمي البناء المتجرد عن الهوى مطلوب في كل الأحوال، أما النقد الهادف إلى تشويه أشخاص أو توجهات معينة والسكوت عن الأخطاء نفسها التي يقوم بها غيرهم، فهو خلاف الإصلاح لأنه لا يهدف إلى الإصلاح بقدر ما يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية أو مادية، وإسقاط الآخر أمام الرأي العام ومؤسسة الحكم، وذلك لإبعاد أشخاص معينين، وبالمقابل يهدف إلى تلميع الآخرين بهدف استمرار بقائهم في الحكومة أو المجلس حتى إن كانوا ضعفاء لا إنجاز فعليا لهم، أو لا يحاربون الفساد أو لأنهم يمكنون لأصحاب النفوذ مصالحهم. إذاً فدافع المصلحة المالية أو السياسية هو وراء هذا الانحراف في تقييم العمل الوزاري والبرلماني الذي يقوم به هؤلاء من كتاب ومغردين وكتل ونواب ومتنفذين، ويتبعهم عن جهل كثير من الناس للأسف بسبب قلة الخبرة والثقافة المالية والقانونية. فلننظر كيف أقيمت الدنيا على نواب ووزراء أو نواب سابقين بسبب أخطاء قانونية وقعوا بها، أو على العكس بسبب تصديهم للفساد، أو بسبب عدم الانصياع لبعض المطالب الشعبوية، وكيف تسكت الآن التوجهات والأقلام نفسها عن أخطاء قانونية أكبر، وتجاوزات مالية أخطر، وفساد عريض في التعيينات والترقيات لأنها ببساطة تخدم توجها سياسيا معينا أو مصالح انتخابية أو مالية لمتنفذين، أو أن من كان ينتقد بتصعيد كبير أصبح له كرسي في الحكومة ومن مصلحته استمرار هذا الكرسي.في السابق عندما كانت الحكومة تقدم قانونا سيّئا يتعلق مثلا بأملاك الدولة أو بحقوق المواطن كان أولئك يحملون حملة شعواء على الحكومة، وعلى وزراء معينين ويحملونهم السبب وكل التبعات، أما الآن فيقدم وزراء آخرون قوانين أكثر سوءا، وأشد ضررا على أملاك الدولة والمال العام، كما يتجاوزون اللوائح في التعيينات والترقيات، ولكن من كان يصعد وينتقد بالأمس أصبح أخرس الآن ولا "أبو الهول".هذه الأساليب يجب ألا تنطلي على رئيس الوزراء الذي حمله الدستور أمانة مراقبة الوزراء ومدى التزامهم بالقوانين، ولا تغيب عنه أهداف هذه التوجهات ومقاصدها.كما يجب ألا تنطلي على الشعب الواعي الذي يتحلى بذاكرة جيدة تمكنه من المقارنة بين المطروح بالأمس والمطروح اليوم من الأقلام والتوجهات والأشخاص نفسهم وفي القضايا نفسها.
مقالات
رياح وأوتاد: سكتوا بعد تصعيد وصراخ
11-09-2017