«ما نبي»
إن الخطيئة الكبرى التي وقعت فيها الكويت كحكومة هي أنها فتحت مسبقا باب تلقي الشكاوى الخارجية على مواطنيها ممن لا يحملون أي صفة تنفيذية رسمية بحجة الإساءة إلى العلاقات، الأمر الذي ضيّع مستقبل الكثير من أبنائها على خلفية تغريدة.
أكد مصدر رفيع في وزارة الخارجية الكويتية في تصريح خاص لإحدى الصحف إعداد مذكرة إحصاء المغردين والإعلاميين الذين أساؤوا إلى مقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وإلى دولة الكويت لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.وقال إن وزارة الخارجية أبلغت سفراء دولة الكويت في عدد من الدول لإعداد مذكرة رسمية بقائمة الأسماء الذين تطاولوا وأساؤوا عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي للكويت وقيادتها وملاحقتهم قانونياً.هذا الخبر ورد في إحدى صحفنا المحلية يوم أمس الثلاثاء، وقد قوبل بترحيب من الرأي العام وبعض نواب مجلس الأمة كذلك، وهو الأمر الذي أختلف معه جملة وتفصيلا.
لا أعني هنا بقبولي الإساءة إلى الكويت من أي شخص أبدا، ولا يعكس رفضي لإجراءات الخارجية الكويتية رضاي عما يقال من مواطني الدول المجاورة من إساءات إلى وطني، ولكنها حسبة بسيطة تجعلني أرفض مبادرة وزارة الخارجية وأتمنى أن يتم التراجع عنها للأسباب التالية: أولا: إن كراهية أو مساس فرد بالكويت، وهو ليس ذا صفة تنفيذية في بلده، لا يصنف كإساءة للعلاقات بين البلدين، بل هو شأن خاص بذلك الفرد لا يستدعي أبدا ملاحقته قضائيا في بلده مهما كان سوء أو دناءة ما يطرحه إلا في حالة التحريض على العنف أو القتل، كالإفتاء مثلا بهدر دم شخص كويتي في هذه الحالة فقط يستدعي الأمر الملاحقة القانونية، أما ما عدا ذلك من إساءات فهي أمر بالإمكان التعاطي معه والرد عليه دون الحاجة إلى الملاحقة القضائية.ثانيا وهو الأهم: إن إعداد قائمة بأسماء المتطاولين على الكويت عبر الإعلام ووسائل التواصل وملاحقتهم قانونيا، وأقولها بكل يقين، سيفتح أبوابا لن تغلق على الكويت ومواطنيها أبدا، فمفهوم الإساءة من الممكن تكييفه حسب مزاج الدولة الشاكية، فقد تفسر بعض الدول كلمة "غلط" كإساءة لا تغتفر تستدعي الملاحقة القانونية، وهو أمر حاصل اليوم، فالكويتي يستطيع أن ينتقد وبحدة شديدة دولة صديقة وحليفة للكويت كالولايات المتحدة الأميركية أو كبريطانيا في حين لا يستطيع قول ولو ربع هذا الانتقاد لدول شقيقة قريبة لأنها ستفسر على أنها إساءة.إن الخطيئة الكبرى التي وقعت فيها الكويت كحكومة هي أنها فتحت مسبقا باب تلقي الشكاوى الخارجية على مواطنيها ممن لا يحملون أي صفة تنفيذية رسمية بحجة الإساءة إلى العلاقات، الأمر الذي ضيّع مستقبل الكثير من أبنائها على خلفية تغريدة، وقد حذرنا من هذا السلوك وما زلنا، واليوم نحذر أيضا وننبه إلى ضرورة عدم المضي قدما في ملاحقة من يسيء إلى الكويت من مواطني الدول المجاورة، لأن هذا سيورط الكويت في شكاوى لن تنتهي على مواطنيها من باب المعاملة بالمثل.الحل يتمثل بعدم قبول الشكاوى ضد المواطنين في المقام الأول، وإن استدعى الأمر صياغة قانون لهذا الأمر، فمن يرى من الدول المجاورة أن هناك كويتيا أساء إلى بلده فما عليه سوى منعه من دخول بلده إن أراد، أو ملاحقته قانونيا في بلده أيضا. وبالتأكيد فإن الحل يشمل أيضا التراجع عن مبادرة الخارجية التي نشرت في الصحف يوم أمس.