في ربيع عام 1980 درست على رجل الاقتصاد مارتن فيلدشتاين من جامعة هارفارد واحدا من أفضل برامج الاقتصاد الكلي التي درستها على الإطلاق.

شن فيلدشتاين أثناء عمله في البيت الأبيض حملة بيروقراطية مقنعة، وإن كان مصيرها إلى العزلة والإهمال، ضد تخفيضات ضريبة الدخل التي فرضتها إدارة ريغان في عام 1981، بزعم أنها كانت كبيرة للغاية وأنها كفيلة بإحداث آلام اقتصادية شديدة إذا لم تُصَحَّح.

Ad

لم يحظ موقف فيلدشتاين بقبول كبير بين أنصار ريغان الآخرين، وبدلا من الانتباه إلى تحذيراته أقنع جيمس بيكر (رئيس أركان العاملين في إدارة ريغان) زملاءه في الإدارة بالثبات على مسارهم، حتى لا يضطروا إلى الاعتراف بأن مبادرة الرئيس الأساسية لخفض الضرائب كانت خاطئة.

وفاز بيكر وجوقته بالمناظرة السياسية، وظلت تخفيضات ريغان الضريبية قائمة، فتسببت في خلق عجز في الميزانية الفدرالية لم يتسن ترويضه إلى أن بدأ الرئيس بِيل كلينتون بإعادة الإنفاق والإيرادات إلى مسارها الصحيح في عام 1993. وقد أنجز كلينتون هذه المهمة على الرغم من الاعتراضات بالإجماع من كل جمهوري في الكونغرس الأميركي.

الواقع أن العجز في عهد ريغان ساعد اقتصاد الولايات المتحدة على التعافي من الركود الذي شهدته في 1981-1982. ولكن بعد عام 1984 تباطأ النمو، لأن الموارد التي كان ينبغي تخصيصها للاستثمار أنفِقَت على الاستهلاك، وخصوصا بين أصحاب الدخل المرتفع.

في نهاية المطاف ألحقت تخفيضات ريغان الضريبية الضرر بالتصنيع في الغرب الأوسط، وخلقت ما يعرف الآن باسم "حزام الصدأ"، وقد تصادف أن هذا هو ما حَذَّر منه فيلدشتاين على وجه التحديد، فقد زعم أن الظروف الاقتصادية التي كانت سائدة آنذاك تعني ضمنا أن العجز الأوسع في الميزانية من شأنه أن يُفضي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة قوة الدولار، فيصبح من الصعب على الشركات المصنعة الأميركية منافسة الواردات.

وأعتقد أن الانتباه إلى تحذيرات فيلدشتاين فترة 1982-1984 كان سيجعل أميركا أقوى وأكثر سعادة اليوم، ولهذا السبب انتابتني حالة من الهلع والانزعاج الشديد إزاء إعرابه عن التفاؤل مؤخرا بأنه في ظل الكونغرس بقيادة الجمهوريين اليوم "سيتم تطبيق إصلاح ضريبي يعمل على زيادة تكوين رأس المال والنمو"، في حين زعم أن "أي زيادة في عجز الموازنة نتيجة لذلك الإصلاح ستكون مؤقتة".

أود أن أرد على فيلدشتاين بثلاثة أسئلة: أولا، متى لم يتسبب خفض الضرائب برعاية الجمهوريين في الذاكرة الحديثة في خلق عجز كبير؟ وثانيا، متى كان مثل ذلك العجز "مؤقتا"، باستثناء المناسبات التي عملت فيها الإدارات الديمقراطية اللاحقة على خفضه عن طريق عكس التخفيضات الضريبية الأساسية؟ وأخيرا، متى أفضت الاستثمارات الناشئة عن تخفيضات الجمهوريين الضريبية إلى تحقيق زيادة في المدخرات الوطنية أكبر مما استنفدت منها بفِعل العجز اللاحق في الميزانية؟

الإجابة عن الأسئلة الثلاثة بسيطة: لم يحدث ذلك قَط.

الواقع أن تطبيق حزمة إصلاح ضريبي محايدة للإيرادات وداعمة للنمو ربما يكون في حكم الممكن في الولايات المتحدة إذا جرى تصميمها بواسطة مجموعة من الوسطيين في الحزبين، وهو ما حدث مع قانون الإصلاح الضريبي في عام 1986، وينبغي لأي مشروع قانون كهذا اليوم أن يَعِد بمعدلات ضريبية أقل لأولئك المثقلين بالضرائب، وزيادات ضريبية محدودة فقط لأولئك الخاضعين لضرائب خفيفة. وأي تغيير لا بد أن يُتَرجَم إلى فوائد كبيرة نسبيا في ما يتصل بالنمو.

من المؤسف أن جهود الإصلاح الضريبي الجارية حاليا في الولايات المتحدة لا تدعمها مجموعة من الوسطيين في الحزبين، بل يرعاها جمهوريون يمينيون يعتقدون أن الضرائب إهانة لحريات أصحاب المليارات، وبدلا من البدء من الوسط ومناشدة كلا الجانبين، يبدأ الجمهوريون في الكونغرس من اليمين ثم يراوغون باتجاه الوسط. وفي نهاية المطاف، يأتي خفض الضرائب المفروضة على الأثرياء على رأس أولوياتهم، بصرف النظر عما إذا كانت هذه التخفيضات ستؤدي إلى المزيد من الاستثمار المحلي.

الواقع أن اللغة التي استخدمها فيلدشتاين في وصف جهود الإصلاح الضريبي الحالية من قِبَل الجمهوريين تنبئنا بالكثير، فقد كتب: "إن خطة الجمهوريين في مجلس النواب من شأنها أن تخفض المعدل الضريبي الأعلى إلى 30% كما كان سابقا، أو أقل"، قبل أن يتحدث عن بضعة "احتمالات": فمشروع القانون "ربما يزيل ضريبة الأملاك"، و"ربما يلغي التخفيضات للضرائب على الولايات والضرائب المحلية، ويفرض الضريبة على بعض المزايا الإضافية المستبعدة حاليا من الدخل الخاضع للضريبة. كما زعم أن مشروع القانون "يقضي بخفض معدل الضريبة على الشركات إلى 25% أو أقل"، والذي يؤكد أنه "من المرجح أن يعزز استثمارات الشركات المحلية".

ولكن هل "تحقق" الخطة الجمهورية أي نتيجة إيجابية؟ يتوقف هذا إلى حد كبير على تلك "الاحتمالات". فربما يحقق مشروع القانون فوائد صافية تعود على أغلب الأميركيين، أو ربما يكون بمثابة تبرع لأصحاب الثراء الفاحش، ولأن هذا الجهد يقوده جمهوريون من اليمين المتطرف ينصب جل اهتمامهم على خفض الضرائب لا خفض العجز فأنا أراهن على النتيجة الأخيرة، وهي تلك التي حذر منها فيلدشتاين في أوائل ثمانينيات القرن العشرين.

* جيه. برادفورد ديلونغ

* نائب مساعد وزير الخزانة الأميركية الأسبق، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»