في روايتك «حافة الكوثر»، تنتقد ظاهرة التأثيرات النفسية الهائلة على المجتمع، بعد ثورة 2011، ضمن انتقاداتك لواقعنا المصري، وهي تأثيرات ملحوظة بلا شك، هل أنت من أنصار إدانة الربيع العربي؟

Ad

بالعكس، مع تمسكي بحقي في التحفظ على المصطلح، ليس أكثر، بما أنه مصكوك من خارج وعينا، ومستورد مِن الغرب، لا شك عندي في أن ما حدث في مصر في 2011 هو ثورة. في السنوات التي سبقت ذلك العام كانت ثمة مؤشرات على حتمية وقوعها، شاهدنا حراك فئات عدة في محيط مجلسي الشعب والوزراء بلافتات تعبر عن تعرضها لظلم فادح، وتنامت كذلك صور الاحتجاج على تردي الأوضاع واستشراء الفساد في أنحاء مختلفة في مصر. أقول ذلك تعبيراً عن إيماني بعفوية تنامي مسببات الثورة، ولا أنكر في الوقت ذاته احتمال استثمارها من قوى خارجية.

حدثت الثورة ووجدها الجيش فرصة لوأد مشروع التوريث، فيما ركبت جماعة «الإخوان» الموجة بتواطؤ محسوب من جانب الدولة العميقة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومِن هنا أطلت الثورة المضادة برأسها وكتمت الأصوات المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

هل يصح أن أسألك عن مساحات البوح الذاتية في الرواية، وعن الخيال فيها.. إلى أي مدى تستفيد هذه الرواية من السيرة الذاتية للكاتب، علماً بأن ثمة تشابهات بين حياتك وحياة البطل؟

ليس منطقياً أن نقول بهكذا يقين إن حياتي تشبه حياة بطل «حافة الكوثر»، أن يكون هو في مثل عمري ويعمل صحافياً ويكتب الشعر، إلى غير ذلك من أوجه الشبه بيننا، لا يعني أننا شخص واحد، لا توجد كتابة تطابق الواقع، لكن ثمة واقعا يمكن أن نكتبه مستعينين بالتخيل، وبالتالي تكتسب الشخصيات والأماكن والأحداث ما يجعلها قواماً أدبياً يكتسب قيمته من صدقه الفني. بالطبع استفدت في كتابتي لهذه الرواية مِن سيرتي الذاتية، لكنني أؤمن، وكما جاء في العمل نفسه على لسان بطله حسين عبد الحميد، بأن السيرة الذاتية لا يمكن أن تكون عنواناً للحقيقة، حين نشرع في الكتابة فإننا نصنع ما يمكن أن يسمى الحقيقة الفنية.

استيعاب تجربة

بغض النظر عن تجارب الآخرين، متى يحتاج الشاعر إلى التخلي عن القصيدة، بكتابة سرد روائي.. في أي نوع من التجارب يحدث ذلك.. ومتى يرضخ لهذا الخيار؟

عن نفسي، اقتحمتني الرغبة في كتابة رواية «حافة الكوثر»، بعدما أدركت أن القصيدة لا يمكنها، في حالتي، استيعاب تلك التجربة التي يمكن تلمس شذرات منها في دواويني الثلاثة: «على سبيل التمويه، «ظهرها إلى الحائط»، و«تمارين لاصطياد فريسة»، وهكذا يمكن القول إن التجربة المتكئة أصلاً على أيام قضاها السارد في مصحة لعلاج الأمراض النفسية، لم يكن من المناسب أن تستوعب القصيدة زخمها وتفاصيلها التي تستدعي التنقل بين أزمنة وأماكن وسط شخصيات متخيلة وأخرى لها ظلال في الواقع، ومن هنا جاءت الرواية.

هل نتوقع رواية قريبة؟

في نيتي أن تكون «حافة الكوثر» أولى في ثلاثية روائية، وأخطط لإنهاء الرواية الثانية في هذا المشروع قبل أن ينقضي عام 2018.

هيمنة وتعثر

ماذا عن تجربتك الشعرية الجديدة.. وديوانك المقبل ما اسمه ومتى وأين يصدر؟

لديّ ديوان قيد النشر بعنوان مبدئي هو «من يوميات صائد فراشات»، لا أعرف متى سأدفع به للنشر، الأولوية ستكون غالباً لمشروع ثلاثية الكوثر الروائية.

أنت أحد شعراء قصيدة النثر المصرية، كيف ترى تعاطي وزارة الثقافة بمؤسساتها مع شعراء قصيدة النثر.. لماذا تستبعدهم من الجوائز الرسمية والمؤتمرات رغم أنها تنشر في مطبوعاتها كثيراً من تجارب هؤلاء؟

أصبحت أكثر ميلا إلى تجنب استخدام مصطلح قصيدة النثر، كانت لهذا المصطلح ضرورة نقدية، في السابق، أما الآن فهو يسيئ إلى تجارب شعرية عميقة، تنجزها أجيال عدة خارج الأطر التقليدية، هذه التجارب فرضت نفسها بقوة، وتجلى ذلك مثلا في اكتساحها جائزة عفيفي مطر، في دورتها الأولى، ما أثار حفيظة راعي الجائزة ذي الذائقة التقليدية، وبعض كهنة الشعر، فتساءلوا: كيف تذهب الجائزة إلى قصيدة لم يكن عفيفي مطر يحبها؟

أما على الصعيد الرسمي، استبعاد الشعر غير التقليدي في شكله ومضمونه، يرجع إلى هيمنة التقليديين على لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة الذي يمنح جوائز الدولة، على أية حال هي هيمنة هشة ومصيرها الزوال حتما.

كيف تابعت أنباء تعثر بعض مشاريع النشر في هيئات وزارة الثقافة.. ما الذي ينقص وزارة الثقافة المصرية من وجهة نظرك؟

التعثر واضح جداً في هيئة الكتاب، مع أنها جهة النشر الرسمية، فهي ترفض مراجعة عملها موضوعياً، مثلا، أنا كنت عضوا في لجنة مكلفة بالنظر في سبل تطوير دور الهيئة في إصدار مجلات ثقافية، واقترحت تقليص تلك المجلات لتصبح ثلاث على الأكثر، لكن اللجنة وافقت في النهاية على صدور 12 مجلة، هذا عبث، المجلات لا تصدر بانتظام، وإذا صدرت لا توزع.

لا يوجد اهتمام أصلا بدراسة السوق واحتياجاته، ولا يزال القيمون على الهيئة يعتقدون أن تلك المجلات تؤدي رسالة لا ينبغي التفريط في أدائها، لكن الواقع لا يمت إلى ذلك الهذيان بصلة.

الأمر نفسه ينطبق على سلاسل الكتب المتشابهة وتقاطعها مع سلاسل مشابهة أخرى تصدرها قصور الثقافة، بدوره يصدر المجلس الأعلى للثقافة كتبا ومجلات لا يقرأها أحد.

المركز القومي للترجمة أهم جهة نشر رسمية في مصر، من وجهة نظري، أنا لست ضد النشر عبر قصور الثقافة، لكنني مع ترشيده، وأرى أن الشاعر جرجس شكري يحاول ذلك في ظروف بالغة الصعوبة، ظروف عبثية، بما أن مكافأة رئيس التحرير مثلا لا تتجاوز 400 أو 500 جنيه، وبما أن مجلة «الثقافة الجديدة»، على سبيل المثال أيضا، تطبع 1200 نسخة، مع أنهم يقولون إن هدفهم هو أن تصل إلى مختلف أنحاء مصر التي يقترب تعداد سكانها من 100 مليون نسمة!

هل أنت راض عما صدر من أنطولوجيات لقصيدة النثر المصرية؟

صدورها في حد ذاته أمر مهم، مع تأكيد تحفظي مرة أخرى على مصطلح قصيدة النثر، نعم أنا راض عنها عموماً.

متابعة نقدية مهمة

حول ما إذا كانت الرواية لغة العصر، لاسيما ان النقاد كتبوا وأثنوا على روايته الأولى بما يتجاوز ما حصلت عليه دواوينه الشعرية مُجتمعة، يوضح الشاعر علي عطا: «الكتابة عن الشعر أصعب من الكتابة عن الرواية، ستجد كتابات تلخص مضامين العمل، وهذا لا ينفع مع الشعر، عموما دواويني واكبتها متابعات نقدية مهمة، لكنها ليست بكثرة المتابعات التي واكبت «حافة الكوثر».

يضيف: «لا أوافق على أن الرواية هي لغة العصر، بل أؤمن بأن الشعر هو جوهر كل إبداع صادق، بما في ذلك الرواية، الشعر بمعناه العميق، وليس بالمعنى الضيق الذي يحصره في القصيدة.»