«حادث... ولكن»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
يعتمد «الكنز: الحقيقة والخيال» على طريقة سرد مبتكرة، وغير تقليدية، ينتقل فيها من عصر إلى آخر بسلاسة (مونتاج داليا الناصر) فيما ينجح الديكور (أنسي أبو سيف)، كذلك الملابس (ملك ذو الفقار)، والخلفية، في الإيحاء بهوية العصر الذي تدور فيه الأحداث، من دون تأكيد هذا بلوحة أو تنويه على الشاشة، كما جرت العادة. وطوال الوقت يخلص المتلقي إلى يقين جازم بأن «التاريخ يُعيد نفسه»، وأن العلم والفن هما الحياة، التي يستحيل على الشعوب أن تحيا من دونهما، فيما يردد الحكيم الزاهد، سواء أكان «إني/ الشيخ على الله» (عبد العزيز مخيون) أن «العرش فتنة الحكام»، ويُدرك المتفرج الفطن أن العلاقة بين الشرطة والشعب أقرب إلى «لعبة القط والفأر» التي لن تنتهي، ما دام في الكون رمقٌ من حياة!كعادته يجمع المخرج شريف عرفة عناصر المتعة، والجاذبية، والسيطرة على الأداء التمثيلي، فيقدم في النهاية تجربة بصرية أخاذة (كاميرا أيمن أبو المكارم)، توافرت لها مقومات المتعة، والجاذبية، من موسيقى مؤثرة (هشام نزيه)، وأغان شجية (نسمة محجوب)، واستعراضات مُبهرة (عاطف عوض)، ومونولوج خفيف الظل (أحمد أمين)، وهي مناسبة للإشادة بالشركة المنتجة (الأخوة المتحدين لصاحبها وليد صبري)، التي خاضت بشجاعة، تُحسد عليها، غمار تجربة هي مغامرة في حقيقة الأمر.في «الكنز» فقط تندمج مع «الفرعون»، الذي تؤمن بطانته أنه ظل الإله فيما ترى الرعية أنه مجرد أكذوبة، وفجأة تنتقل مع «علي الزيبق» وهو يوزع النفحات على الفقراء، في السر، على غرار ما كان يفعل «عاشور الناجي» مع الحرافيش، وتتطلع إلى المشهد الذي يُصادر فيه القلم السياسي «المونولوج»، ويعتقل كل من شارك في أدائه، فتقارن فوراً بين ما حدث في تلك الحقبة، وبين ما يجري حتى هذه اللحظة من مصادرة للفكر، وقمع لحرية الإبداع، وتفتيش في النوايا، واغتيال ناتج عن الشعور بالظلم والقهر، مثلما حدث مع رئيس القلم السياسي، ويكاد يكون صورة طبق الأصل من محاولات اغتيال عدة استهدفت بعض رموز القمع! في ظل هذه الجرعة الدسمة أضفى الكاتب عبد الرحيم كمال شاعرية وعذوبة على التجربة، وفي زهد صوفي جميل اختار أن ينأى بنفسه، والفيلم، من الوقوع في فخ الخطابة المباشرة، أو الرسائل الموجهة، وترك للمتلقي قراءة «الكنز» بالشكل الذي يروق له، فمن يرى أنه يُحذر من بيع الأصول، ويحض على قراءة السير، والاعتبار بوقائع التاريخ، كوسيلة للتشبث بالهوية والعودة إلى الجذور، فليفعل، ومن يقرأ الفيلم بناء على خلفية سياسية فهو حقه، أما من يراه فيلماً عن الحلم بالمدينة الفاضلة أو «يوتوبيا» فلا اعتراض، فهو عمل شديد الثراء، وأهميته، بالإضافة إلى متعته على صعيد اللغة السينمائية، تكمن في تعدد قراءاته، ومن أجل هذا كان الاحتفاء بالتجربة، التي ينبغي البناء عليها، واستثمار التجاوب الجماهيري معها، والأهم تشكيل ذائقة فنية مختلفة.