مصر و«حماس»... إلى أين؟!
كل هذا "الاندلاق" الذي لجأت إليه "حماس" غزة، إن في اتجاه مصر أو في اتجاه حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية، ومعهما محمد دحلان، الذي يصفه المقربون منه بأنه رئيس التيار "الإصلاحي" الفتحاوي، لا يمكن تصديقه ولا التعاطي معه بجدية، مادامت هذه الحركة تعتبر نفسها ويعتبرها الآخرون "تابعة" للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي يصنف الآن، وعلى نطاق واسع، عربياً ودولياً، تنظيماً إرهابياً، مثله مثل "القاعدة" و"داعش" وباقي التنظيمات الإرهابية الكونية.المعروف أن "حماس" قد ذهبت إلى القاهرة مستسلمة ورافعة يديها عالياً، لأن الأرض قد ضاقت عليها بما رحبت، ولأنها باتت محاصرة في هذا الشريط الضيق، الذي أصبح، مع تلاحق السنوات وتضاعف عدد سكانه بأرقام فلكية، يشبه علبة سردين كبيرة، مما قضى على كل خياراتها إلا هذا الخيار، حتى إن اضطرت لتقديم تنازلات "جوهرية" كثيرة.
المشكلة التي تواجهها "حماس" غزة، وقد أقدمت على خطوة في غاية الصعوبة بالفعل، أنّ إسماعيل هنية، الذي جرى انتخابه قبل فترة أميناً عاماً لهذه الحركة، هو من ترأس وفدها إلى القاهرة، إلا أن الكل يعرف أن قرارها الفعلي لا يزال في الخارج، إنْ في طهران أو ضاحية بيروت الجنوبية، في كنف حزب الله وحسن نصر الله، وذلك مع العلم أن خالد مشعل لا يزال هو ممثلها في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي هو في حقيقة الأمر صاحب العقد والحل، والذي لا قرار إلا قراره، وخاصة بالنسبة للقضايا المصيرية الصعبة.كانت "حماس" ممثلة بأمينها العام السابق خالد مشعل، ومعه أمينها العام الجديد إسماعيل هنية، قد وقعت في عام 2007 اتفاق مكة المكرمة الشهير، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الذي جرى توقيعه برعاية الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله. لكن هذا الاتفاق قد انهار قبل أن يجف الحبر الذي وُقِّع به، إذْ إن "الأوامر" من بعض العواصم العربية ومن "التنظيم العالمي" جاءت إلى قائدي هذه الحركة، لا بل إلى لجنتها المركزية، بضرورة الانسحاب مما تم التوقيع عليه، وضرورة تنفيذ الانقلاب الدموي المسلح الشهير الذي تم تنفيذه ضد "فتح" والسلطة الوطنية. ويقيناً فإن هذا هو ما يجري التباحث بشأنه الآن بين حركة المقاومة الإسلامية و"الشرعية الفلسطينية".وحقيقة فإن الأهم بالنسبة لحركة "حماس" هو أن التفاهم على ما تطلبه القاهرة منها، وأهمه ضبط الأمور في قطاع غزة، الذي يصفه المصريون بأنه يشكل وكراً سرياً للإرهابيين الذين تخوض معهم مصر حرباً طاحنة، إن لم يكن مستحيلاً فإنه في غاية الصعوبة، فالمسألة تتعلق بالإخوان المسلمين المصريين الذين يشكلون الرقم الرئيسي في معادلة "التنظيم العالمي"، وفوق هذا فإن حركة المقاومة الإسلامية لا تزال عضواً أساسياً ورئيسياً في هذا التنظيم.