في مطلع عام 1999 شاركت في استوديوهات إحدى القنوات بلندن، وكان الضيف الآخر مصطفى كمال مصطفى الذي يلقب بالشيخ أبوحمزة المصري، في أثناء الحوار تساءلت: لماذا لا نجد قيادات الإسلاميين الذين يسمون «الجهاديين» إلا في عواصم أوروبا الغنية المترفة، حيث يعيش هؤلاء الجهاديون مستمتعين برخاء تلك المدن التي أعطتهم سماءً آمنة، ولا نجدهم في عواصم أو مدن إفريقية فقيرة أو مدن آسيوية تعاني، نظر إليّ أبوحمزة بعينه اليمنى السليمة (فقد اليسرى، وكلتا يديه في انفجار لغم كان بحوزته عندما كان في أفغانستان) وقال: «إن الغرب بالنسبة إلينا نحن، الإسلاميين، كدورة المياه، نقضي فيه حاجتنا ونرحل بعد ذلك»، ظننت وقتها أن الدنيا ستقوم ولا تقعد، ولكن كأن شيئاً لم يُقل.ظلت بريطانيا تغض الطرف عن أي تحذيرات من خطر إيوائها للإسلاميين المتطرفين، وحذا حذوها العديد من الدول الأوروبية، قصة أبوحمزة في لندن تصلح نموذجاً يؤكد قصور فهم الحكومات الأوروبية في ذلك الوقت للخطر الذي يمكن أن يمثله حماية وجود مثل هؤلاء المتشددين وإعطاؤهم سماء آمنة يعيشون في ظلها، أبوحمزة، الذي أصبح شيخاً لمسجد بمنطقة فينزبري بارك شمال لندن، ظل يدعو للكراهية من منبر المسجد ثم في الشارع أمام المسجد، ورفضت بريطانيا تسليمه إلى اليمن لمحاكمته على تورطه في تفجيرات إرهابية ضد المصالح الغربية هناك، لكنها بدأت إدراك خطر الرجل في 2004 وصدر عليه حكم سبع سنوات، ثم بدأت رحلة ترحيله إلى الولايات المتحدة الأميركية حتى تم ترحيله قبيل منتصف ليل 5 أكتوبر 2012، أي قرابة أربعة عشر عاماً بعد ذلك الحوار.
ما ذكرته هو نموذج متكرر في العديد من العواصم الأوروبية التي ظلت تدافع عن وجود الإسلاميين المتشددين على أراضيها لأسباب تتعلق بمفهوم تلك الدول للديمقراطية وحقوق الإنسان.عندما زار أليستر بيرت وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية مصر الشهر الماضي كان أهم ما في جعبته هو ذلك الخطاب الجديد الذي يعبر عن تغيير مهم في الرؤية البريطانية لمكافحة الإرهاب واكتشافها الواضح لدور جماعة «الإخوان المسلمين» في دعم الجماعات الإرهابية والفعل الإرهابي في مختلف أنحاء العالم، هذا التغيير المهم عبر عنه بيرت في لقاءاته بالمسؤولين المصريين الذين التقاهم وبعض الإعلاميين، وعبر عنه بشكل واضح لا يقبل اللبس في مقاله الذي نشره بجريدة «الأهرام» المصرية، في هذا المقال تحدث بيرت بلغة خطاب جديدة، لم أسمعها حتى منه عندما التقيته في ديسمبر 2013 في إحدى المناسبات المحلية لحزب المحافظين في لندن، وقتها لم يكن مستعداً كثيراً للتجاوب مع التغير الذي شهدته مصر في 30 يونيو من العام ذاته عندما أطاح المصريون بالإخوان، كان متحفظاً في موقفه غير داعم بشكل واضح لفكرة الإطاحة بالإخوان المسلمين من الحكم في مصر، كذلك عندما خرج التقرير البريطاني في نهاية 2015 كان هناك تحفظ نسبي على ربط جماعة «الإخوان» بالإرهاب، رغم ما بدا من بداية تغيير أو شكوك في تحركات الإخوان، الكثيرون اعتبروا أن هذا التقرير غير حاسم وغير مرضٍ لمن يعرف خطر الإخوان المسلمين أو من عانى ويعاني منهم. قال بيرت في مقاله بشكل واضح:»أصبح في بريطانيا الآن أي شخص، في أي منظمة، يثبت تحريضه على الكراهية وتسامحه مع الإرهاب أو دعمه أو تبريره له مخالفا للقانون ومعرضا للملاحقة القضائية والعقاب» مؤكداً أن هذه الرسالة موجهة أيضا إلى الإخوان المسلمين.أعود مرة أخرى إلى بيرت الذي ينهي كلامه بأن «أساليب المراوغة التي يمارسها التنظيم والتي رصدها معدو التقرير البريطاني عام 2015 مازالت مستمرة في 2017، لقد آن الأوان لكل من يدافع عن الإخوان المسلمين– في لندن أو القاهرة – أن يضع حدا لهذا اللبس والغموض».
مقالات - اضافات
مستقبل الجهاديين المترفين
16-09-2017