يتعين أن تشكل إصلاحات الرئيس الفرنسي في سوق العمل مقدمة إلى تغيرات أكبر. وقد كشفت حكومة الرئيس ايمانويل ماكرون الجديدة عن خطتها الهادفة الى اصلاح سوق العمل المتشدد في فرنسا، وتشمل هذه الخطة اجراءات مفيدة وفعالة من شأنها مساعدة البلاد على تحسين فرص التوظيف وهي خطوة أولى جيدة ومفيدة. وعلى الرغم من ذلك، ولسوء الحظ فإنها لن تحل البعض من المشاكل المتجذرة بعمق، وخاصة الانقسام الحاد بين العمال الذين يعملون بعقود مؤقتة ودائمة، وهو السبب البارز وراء ما يدعى سوق العمل الثنائي في فرنسا.
وقد أثبتت الاتحادات العمالية الفرنسية طوال عقود قدرتها على ممارسة نفوذ كبير وجلي وتمكنت من تحقيق اتفاقيات أجور على مستوى البلاد تنطبق على الشركات كلها بغض النظر عن الظروف المحلية، وما ضاعف من تلك المشكلة أن تلك الاتحادات كانت تعارض أيضاً الجهود الرامية الى جعل العقود الدائمة أكثر مرونة تفضي الى جعل أرباب العمل يعرضون عقوداً مؤقتة أقل أمانا للعمال الجدد، وكانت النتيجة غير فعالة وغير عادلة في آن معاً.وتجدر الاشارة الى أن خطة الاصلاح الحكومي سوف تقلص الى حد ما دور تلك الاتحادات العمالية، كما أنها سوف تجعل من الأسهل بالنسبة الى الشركات اجراء مفاوضات داخلية حول اتفاقيات تتعلق بظروف وشروط العمل والأجور، الى حد ما وليس تماماً. ومن شأن تلك الخطة أيضاً اعطاء الشركات درجة أكبر من اليقين حول تكلفة انهاء خدمات العمال. وفي السابق – وفي حالات التسريح التعسفي – تمكنت المحاكم من فرض تعويضات مالية كبيرة تماماً للعمال المسرحين، ولكن الحكومة وضعت في الوقت الراهن سقفاً لتلك الدفعات، ومن شأن ذلك أن يجعل أرباب العمل أكثر رغبة في تشغيل العمال عبر عقود دائمة.وعلى أي حال، كان يتعين على الحكومة أن تكون أكثر طموحاً، وسوف يستمر أرباب العمل والاتحادات النقابية بتحديد معدلات الأجور على صعيد وطني، وهذا يعني بالتالي بقاء العديد من الشركات خارج نطاق الانتاجية. وفي غضون ذلك، سوف تحافظ العقود الدائمة على معظم ضماناتها وسوف يفضي ذلك – على الأرجح - الى استمرار النهج والنظام الثنائي.وما من شك في أن ذلك هو الثمن الذي تم دفعه في مقابل الفوز بموافقة الاتحادات العمالية على الخطة الحكومية في وقت بدأت فيه شعبية الرئيس ماكرون بالهبوط. وقد انتقدت الاتحادات العمالية خطة الاصلاح ولكنها استبعدت في الوقت نفسه الانضمام الى حركة الاحتجاج في الشوارع التي نظمها الجناح الأكثر تشدداً وطالب بانطلاقها في وقت لاحق من هذا الشهر. وتبقى حقيقة جلية وهي أن هذه الجهود اذا توقفت عند هذا الحد فإنها سوف تكون بالتأكيد أقل مما تحتاج فرنسا اليه لتحقيق تطلعاتها.ويبدو أن الرئيس الفرنسي أدرك حدود اللعبة لأن الحكومة تنوي اصلاح نظام فوائد البطالة وخفض ضرائب الرواتب وهي تغيرات سوف تنطوي بالمثل على جوانب مثيرة للجدل، كما أنها في الوقت نفسه حيوية من أجل تشجيع المزيد من التوظيف، ويتعين في هذه الأثناء أن تولي فرنسا اهتمامها لفكرة العودة الى العقود وتحديد الأجور.
مقالات
أولى خطوات ماكرون لإحداث تحوُّل في فرنسا
16-09-2017