في منتصف العمر ينتخب "ماوي" للعيش، في جزر هاواي (الولاية الأميركية الخمسون)، وبحكم انجذابه المبكر للطبيعة يُفتن بالنخلة، فيشتل شجرة في كل يوم، وتصبح غابة النخيل مرعى لقصيدته. إنه الشاعر الأميركي ميروِن W. S. Merwin، الذي تحتفي الأوساط الأدبية بعيد ميلاده التسعين، وهو في حمى نشاطه الإنساني والإبداعي. المخرج ستيفان شايفر يُخرج عنه فيلماً وثائقياً بعنوان "على الرغم من أن العالم أجمع يحترق"، وهو بيتٌ شعري من إحدى قصائده التي بعنوان "إضاءة المطر":
طوالَ اليوم، ومنذُ زمن، تُواصلُ النجومُ رقابتَها إنني راحلة الآن قالت لي أميوحين أتركك وحيداً ستظل على ما يُراموستعرف عن درايةٍ أو غير درايةأنظر إلى البيت القديم في مطر الفجرمن الماء تتشكل الأزهار جميعاًتُذكّرها الشمس، عبر السحب البيض، بذلكتمسُّ الخليطَ المنتشر فوق التلوألوانُ "الآخرة" المغسولة تلك التي عاشت هناك قبل أن تولدَ أنتأنظر كيف تستيقظ دون حيرةعلى الرغم من أن العالم أجمع يحترقيقرأ القصيدة في آخر مشهد من الفيلم، وهو يجلس عند باب بيته الفلاحي، بملابس تبدو جاهزة للعمل الزراعي.كان ميروِن في صباه يكتب ترانيم كنائسية للمصلين، لأن أباه كان قساً. وشحنة الترانيم الروحية كمنت في قصيدته حين نضج. صار كثيرَ التنقل: مايوركا الإسبانية، حيث التقى الشاعر الإنكليزي روبرت ﮔرَيْـﭪ، وإنكلترا حيث سيليفيا بلاث وتيد هيوز، وفرنسا، وأخيراً هاواي وأستاذه البوذي الذي تعلّم على يديه فلسفة الزَن Zen. تمتع بغنى الخبرة الحية مع الإنسان، فوقف ضد الحروب، وحرب ﭭيتنام خاصة، ولعل ديوانه الشهير "القمل" The Lice مستوحى من موقفه هذا. وتمتع بغنى الطبيعة، صار يرعاها في قصيدته، ويرعى قصيدته فيها. كما تمتع بغنى المعرفة، تكشف عنها ترجماتُه عن لغات عدة: الإسبانية، الفرنسية، اللاتينية، الإيطالية، السنسكريتية، العبرية والإنكليزية القديمة. قصيدته تمتعت، بدورها، بغنى التنوع الشكلي؛ من المحافظة، إلى الجرأة في خلخلة الوزن، والتخلي عن علامات الترقيم جملة. وبغنى المضامين التي بدأت أسطورية، ثم حيوانية، ثم احتجاجية، ثم تكرست للطبيعة مع مسحة حلمية من التأمل الفلسفي.في عام 2010 شارك في إنشاء مؤسسة ميروِن لصيانة الطبيعة، وهي مؤسسة غير ربحية مكرسة للحفاظ على منزله، الذي تم بناؤه يدوياً، مع 18 فداناً يضم حقلاً من أشجار النخيل النادرة، التي تُعد الأكبر في العالم.قصيدة "الذكرى السنوية لموتي"في كلِّ عام دون أن أعرفه أكون قد تجاوزت اليومعندما ستلوحُ لي النيران الأخيرةوالصمتُ يحمل المسافرَ الدؤوب على الرحيلمثل شعاع النجمة الكليلة حينها لن أعود أرى نفسي داخل الحياة وكأني داخل ثيابٍ غريبة لن أفاجأ بالأرضوبالحب لامرأة واحدةوباللاحياء الذي يعتري الناسأو كأني كما الآن أكتب بعد ثلاثة أيام من المطرمصغياً إلى الطائرِ يغنّي والهطولِ يتوقفمنحنياً بإجلال لما لا أعرف
توابل - ثقافات
منحنياً بإجلال لما لا أعرف
17-09-2017