مسلسل «المعاقين»... إلى متى؟!
منذ صدور قانون رعاية المعاقين في عام 1996 من مجلس الأمة، بعد سنوات من العمل المضني، ودعم من نواب أعلام، أمثال المرحومين جاسم الصقر وعباس مناور، وجهد مميَّز من النائب السابق عبدالمحسن جمال، ونواب آخرين، وقَّعوا وساندوا ذلك القانون الإنساني، ما فتئت قضية المعاقين تُستخدم في النزاعات الإدارية والسياسية، والتعريض والتشهير بالمعاقين وأهاليهم، وزجِّهم في صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.ربما يكون تكليف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتنفيذ القانون وتطبيقه، المشكلة الرئيسة التي نتج عنها معاناة المعاقين، كون تلك الوزارة من أسوأ الوزارات في نظم الإدارة والتسيب ونسب قضايا الفساد فيها على مرِّ العقود الثلاثة الماضية. وحتى عندما تم فصل إدارة رعاية المعاقين عنها، وجعلها هيئة مستقلة، فإنها حملت معها أوبئة وأمراض تلك الوزارة.فمنذ خمسة عشر عاماً وكل طاقم جديد يتولى قيادة إدارة شؤون المعاقين يتهم سلفه بأنه كان فاسداً، وأن هناك تلاعباً في ملفات المعاقين، وتجاوزات مالية سيقوم هو بإصلاحها، وتتم "بهدلة" كل المعاقين وأهاليهم، وسحبهم إلى محاكم التفتيش -عفواً- اللجان الطبية مجدداً، لإصدار شهادات إعاقة جديدة، هذا ما حدث في عام 2011 عندما تولى د. جاسم التمار قيادة هيئة المعاقين، إذ شكَّل لجان فرز لأكثر من 30 ألف ملف للمعاقين، وفي 6 مايو 2014 (جريدة الراي) تم الانتهاء من فحص جميع الملفات، وتمت إحالة المتجاوزين والمزورين إلى النيابة العامة.
لكن لم يمضِ عامان على فحص التمار ولجانه ملفات المعاقين، وعند وصول قيادة جديدة إلى الهيئة برئاسة د. شفيقة العوضي ومساعدتها د. نادية أبل (2016)، حتى عُدنا للمربع الأول، وانتشرت "مانشيتات" الصحف حول ملفات المعاقين والتزوير، وتم جرُّ جميع المعاقين وأهاليهم للجان الطبية مرة أخرى، ولدورة المستندات الطويلة البدائية، وفوضى صالة المعاملات في هيئة المعاقين، حتى للمعاقين الذين لديهم أحكام قضائية نهائية "بأنه لا رجاء من شفائه".الحقيقة، أن هيئة المعاقين، ككل مؤسسات الدولة، فيها نسبة من التجاوزات، كما يحدث في أي جهة حكومية أخرى سنوياً، والمطلوب متابعتها من قيادات تلك المؤسسات، لكونها وظيفتهم، فديوان المحاسبة يسطِّر سنوياً آلاف التجاوزات بمئات الملايين من الدنانير على كل الجهات الرسمية.وكما هناك تجاوزات في هيئة الزراعة، وتلاعب وتزوير في بعض ملفات المناقصات المركزية، وتدليس في بعض معلومات ملفات المتقاعدين بمؤسسة التأمينات الاجتماعية، فإن هناك أيضاً بعض التجاوزات في هيئة المعاقين، لكن هناك مَن لا يراعي ذمة ولا ضميراً تجاه أمور ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا يعي أن لقضايا المعاقين خصوصية مختلفة لفئة هي الأضعف في المجتمع، والتي يجب ألا تستخدم قضاياهم للبهرجة الإعلامية والصراعات السياسية.لا يمكن أن يستمر هذا المسلسل، الذي يشهر فيه بالمعاقين، إلى ما لا نهاية، وإذا كانت هناك مخالفات، فيجب أن تعطى الفرصة للدكتور راشد العميري، الذي تولى رئاسة اللجان الطبية التي راجعت ملفات المعاقين في السنوات الست السابقة، والمدير السابق للهيئة عصام بن حيدر، ليدافعا عن نفسيهما، وخاصة أن الكثير من المعاقين الذين تلغي الهيئة ملفاتهم، أو تخفض تصنيف إعاقتهم، يلجأون إلى القضاء ويربحون قضاياهم.من جهة أخرى، نسأل القيادات الجديدة لهيئة الإعاقة: بعد أن كشفتم المتلاعبين وضبطتم الملفات، هل سيحصل المعاقون وأهاليهم الآن على خدمات محترمة؟ وهل ستنتهي شهاداتهم ومراجعاتهم المستندية في نفس اليوم، أو حتى خلال الأسبوع نفسه، دون الحاجة إلى أن يصلّوا الفجر بقرب مقر الهيئة، حتى يحصلوا على رقم لدخول صالة المراجعة؟ وهل أسدلتم الستار على مسلسل الاتهامات بالفساد المستمرة بين كل إدارة جديدة وخليفتها في تلك الهيئة العتيدة؟!