أصدر الأديب حمد الحمد كتاب "أحمد العدواني من مقاعد الأزهر إلى ريادة التنوير"، متضمناً ومضات من مسيرة الراحل أحمد العدواني الممتدة إلى خمسة عقود، وينهل الحمد من محطات متنوعة عاشها الراحل متأبطاً مشروعه التنويري.

يقسم الشاعر كتابه الصادر ضمن منشورات ذات السلاسل، إلى 5 فصول، جاء أولها بعنوان "المسار والبدايات"، بينما الفصل الثاني حمل اسم "العدواني صوت الشعر والموسيقى"، أما الفصل الثالث فكان "العدواني والتنوير"، في حين ركّز الفصل الرابع على المفكرين والشعراء الذين زاملوا العدواني، وختاماً خصص المؤلف الفصل الخامس إلى الصور النادرة والوثائق الخاصة بالعدواني.

Ad

شخصيات ملهمة

وفي التقديم للإصدار قال الكاتب حمد الحمد إنه خلال شهر نوفمبر من عام 2014 كان في مدينة روما، وأثناء التجول في حديقة فيلا بورغيزي، التي تعد إحدى أكبر الحدائق العامة هناك وتأسست في القرن السابع عشر الميلادي، لم يستمتع بما تضمه من أشجار وزهور أو بحيرات، بقدر ما استمتع بجانب مهم جداً.

ويستطرد الحمد في الحديث عن الدهشة التي سكنت جوارحه، حينما شاهد مئات التماثيل النصفية لشخصيات ملهمة من التاريخ الإيطالي، ويقول: "كنت أتجول في الحديقة في دهشة تامة، بين غابة من رؤوس تلك التماثيل، ولا أعرف أحداً منهم، حتى استعنت بهاتفي النقال لأدخل موقع بحث بالشبكة العالمية، وأذكر اسم هذه الشخصية أو تلك، فاكتشفت أن هذا التمثال لرجل سياسي والآخر لشاعر والثالث لموسيقار، وهكذا، وما كانت تلك التماثيل إلا لتخليد أولئك الذي أبدعوا وأخلصوا لبلدهم وتركوا بصمة".

وتابع: "من تلك الزيارة سكنت فكرة التخليد في ذهني، وأنا أتذكر كم لدينا من شخصيات أفنت حياتها في خدمة وطنها، وتركت بصمة لا تمحى، ولكن الأيام تركت البعض في خزانة النسيان، وهنا قررت الكتابة عن أسماء لها في ذاكرتي تقدير واحترام كبير، ومنهم الشاعر الكبير أحمد العدواني، وكنت كلما أذكر اسمه، يجيب من سألته من أبناء الجيل الحالي، أنه من كتب النشيد الوطني، ولا يعرف عنه شيئاً آخر. من تلك الزيارة، ومن تلك الأجوبة، قمت بإعداد كتابي هذا بأسلوب يبتعد عن النهج الأكاديمي، لكي أسلط الضوء على ما قدمه شاعرنا الكبير لوطنه، وعلى إبداعه الشعري ومشروعه التنويري. لقد عمل شاعرنا الكبير بصمت حتى غادر دنيانا، ولكن سيبقى اسمه في ذاكرتنا وصوتاً في مسيرة الأدب والشعر والثقافة في الكويت".

ويصف الحمد عبر كتابه، العدواني بالحاضر الغائب، مشيراً إلى أنه يستحق أن أخصص له إصدارا، وهو بمثابة ومضات من مسيرته لخمسة عقود، وما كان لجهدي أن يكتمل لولا مساعدة من أسرته الكريمة، وأخص بالذكر الدكتورة دلال فيصل الزبن زوجة الشاعر، كذلك ابنه معد وابنته لينة، ولن أنسى المساعدة القيمة التي أتت من الأستاذ الباحث خالد العبدالمغني، وكذلك كل من قدم لي معلومات قيمة عن رحلة شاعرنا.

المسار والبدايات

يرصد الحمد في الفصل الأول مسار الشاعر أحمد العدواني من مولده حتى مراحل دراسته الأولى، وتلك الغربة الممتدة لعقد من الزمان في القاهرة، مشيراً إلى الملامح التي ساهمت في تكوين شخصيته، لاسيما في تلك الفترة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ثم عودته إلى الوطن ودخوله معترك الحياة العملية بعد ذلك، وانطلاق شرارة الشعر المؤثر والمختلف لديه.

ويسرد حكاية شاعر لم يفكر أن ينبش الماضي، بل حاول واجتهد ليصنع المستقبل من تراث غني، وليكون أسرة، وفي ظلها بدأ حياته العملية، لم يرسم في خياله كيف يصنع المال، بل حاول أن يرسم ويؤسس لحياة ثقافية على مساحة وطنه الممتد من شواطئ الكويت على شواطئ الخليج العربي حتى أبعد قطر عربي.

الشعر والموسيقى

وفي الفصل الثاني "صوت الشعر والموسيقى" يرصد الحمد النتاج الشعري للعدواني من خلال التركيز على قصائده المفعمة بحب الوطن وبالفكر، وصوت الحكمة، مبيناً أن الراحل تفرد بأسلوبه الشعري فيشبه مفرداته بالعزف وكأنه يكتب نصاً شعرياً موسيقياً يختلف عن الاصوات الشعرية الأخرى. وحرص الحمد على نشر مختارات من قصائد العدواني لما تتضمنه من بعد فكري مستنير، كما يسلط الضوء خلال الفصل ذاته على صوت الموسيقى، حيث شدت بإحدى أغنياته الوطنية الفنانة أم كلثوم، ولحنها رياض السنباطي، وأيضا تغني بكلماته العديد من كبار المغنين الكويتيين والعرب. ومن أجواء قصيدة "نداء المعركة" نقتطف المقطع التالي:

يا أخي إن مُتُّ لا... تسكب على قبري دمعة

بل خذ الشمعةَ من كفّي وكن في الليل شمعة

إنني منك قـريب... كلمـا ضوّأتَ بقعة

وتركتَ الليل يهوي... قطعةً في إثر قطعة

يا أخي ما أنت في معركة التاريخ وحدك

كل ساع هاهنا.. يقصد في الحلبة قصدك

هَمّهُ أن يـنسِفَ السجنَ وقصرُ الظلم يَنْدك

ويسودَ الأرضَ عدلٌ تكفلُ الأحـرار شَرعَه

فكر حيوي أسّس لثقافة جديدة

ركز الحمد في الفصل الثالث على المشروع التنويري، وقال ضمن هذا السياق: "عمل الشاعر أحمد العدواني بصمت من أجل نشر مشروع تنويري، لم يكن أحد المنظرين الذي يصوغ الخطب، أو يزخرف المقالات، أو ينشر الكتب، أو يحاضر أو نسمع صوته في الندوات، بل راح يخلق مشاريع تؤسس لثقافة جديدة، وفكر ينبض بالحيوية، فكر يستمد ملامحه من ثقافات معاصرة تلتصق بتراث عربي أصيل، ولتكون هذه المشاريع حلقة وصل مع عالمنا المعاصر في الشرق والغرب".

وفي الفصل الرابع يقدم الحمد شهادات لأصوات عديدة من المفكرين والشعراء، ولمن رافقوا رحلة العدواني في مسارات الشعر ومسارات العطاء.