الشيوخ «أبخص!»
تصريح وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد عبدالله المبارك بأن ثقة المواطن في الحكومة «شبه معدومة» أصاب كبد الحقيقة المرة، لكن السؤال الأهم يجب أن يكون عن سبب انعدام هذه الثقة؟ هذا هو السؤال المباشر والصريح الذي يجب أن تكون الإجابة عنه صريحة ومباشرة أيضاً، لأنه تردد على نطاق واسع وتناقلته الأجيال تلو الأجيال من بداية ثمانينيات القرن الماضي، وهذا هو السؤال الذي تم بسببه تعطيل الحياة الديمقراطية لمدة عقدين من الزمن، وتم حل مجالس الأمة منذ عام 2003 حتى الآن سبع مرات، وهذا هو السؤال الذي بسببه ضرب الناس بالهراوات والغازات المسيلة للدموع وتم سحلهم في الشارع، وهذا هو السؤال الذي زج بسببه نشطاء ونواب وكتاب الصحافة والمغردون من الشباب والشابات في السجون، وتمت إهانتهم والانتقام منهم في لقمة عيشهم وتوليهم المناصب التي يستحقونها لخدمة بلدهم، وهذا هو السؤال الذي بسببه شرعت القوانين المكبلة للحريات وتكميم الأفواه، وهذا السؤال الذي بسببه أغلقت القنوات الفضائية والصحف اليومية وتمت مطاردة المغردين، وهذا هو الذي بسببه ينتظر خريجو الجامعات سنوات للتعيين، وتقهر الأسرة عشرين سنة للحصول على رعاية سكنية، ويبقى المريض ستة شهور لحجز موعد لإجراء أشعة مقطعية، وهذا هو السؤال الذي بسببه استغنى البعض بشكل فاحش بين ليلة وضحاها، وفلت الحرامية الكبار من العقاب وتحكّم غير المستحق في صناعة القرار وتقرير مصير الناس في تعليمهم وصحتهم وتنشئتهم، وهذا هو السؤال الذي بسببه وزعت القسائم الصناعية والحيازات الزراعية على المتنفذين والأبواق وعيالهم، وهذا هو السؤال الذي بسببه تعطلت التنمية في بلدنا وصرنا في آخر الركب اقتصادياً وتنموياً وعمرانياً ورياضياً وفنياً وثقافياً دون أن تتم محاسبة أي مسؤول، وهذا هو السؤال الذي بسببه دبت بيننا روح الفرقة والكراهية والتخوين المتبادل مع استمرار النفخ في هذه الجوقة وصب الزيت على نارها بكل جرأة ووقاحة دون أن يرف جفن لمسؤول، وتطول قائمة هذه الأسئلة التي يكررها الناس ليل نهار ليس عبر الكتابة والدواوين والتغريدات بل أمام كبار المسؤولين ولكن لا حياة لمن تنادي.مشكلتنا تكمن في أن هذا النقد لا يجوز «للشيخ» وزيراً كان أم رئيساً لمجلس الوزراء على الرغم من الصفة القانونية البحتة والمسؤولية الدستورية لشاغلي الوظائف القيادية في الدولة، فأبناء الأسرة هم وحدهم دون سواهم قد أمسكوا بمفاتيح القرار سواءً في الحقائب السيادية أو رئاسة السلطة التنفيذية التي تهيمن بالكامل على إدارة شؤون الدولة، وجميع ما سبق عبارة عن قرارات صادرة منهم مباشرة.
كل هذه الاختلالات كانت وما زالت أمام أنظارهم ومدعومة بالوثائق والمستندات، وجميع المواطنين إلا ما ندر، حتى وإن تولوا منصب الوزير هم مجرد موظفين عندهم، وقد مل الناس من النقد والاعتراض، فمع أي نقد يكون اسم الشيخ مرتبطا شئت أم أبيت بمفهوم النظام، والاعتراض على الشيخ خط أحمر، ومحاسبته عيب، واستجوابه قلة أدب، وعزله مؤامرة على نظام الحكم، وشراكتنا في هذا البلد مبنية على ثقافة سياسية اختزلت بمفهوم «الله لا يغيّر علينا»، والعرف الكويتي بأن «الشيوخ أبخص»، واختصر معنى الولاء الوطني بمفهوم السمع والطاعة، وأصبح النقد مجرماً إلا على الشيوخ أنفسهم، فالشيخ إذا أخطأ يجب أن يحاسبه فقط شيخ مثله، فصارت الموضة الحالية هي أن ينتقد الشيوخ بعضهم لأنهم باختصار أيضاً هم الأبخص!