الخذلان الأكبر
![أ.د. غانم النجار](https://www.aljarida.com/uploads/authors/30_1682522974.jpg)
تتحدر أون سان سوشي من الطبقة العليا في بورما، من عرقية بامار، ووالدها أونغ سوا يعد واحداً من أبطال الاستقلال، كما أنه من أبرز مؤسسي جيش بورما الحديث الذي يطلق عليه اسم تاتماداو. حكم الجيش بورما ديكتاتورياً، وبشكل مطلق، منذ أكثر من خمسين عاماً. وعندما ظهرت سوتشي على الساحة تعامل معها الجيش بالحبس والملاحقة، لحين وضعها تحت الإقامة الجبرية. تحولت سوتشي بسرعة إلى رمز عالمي للنضال السلمي، وحصلت على جائزة نوبل للسلام. حكاية سوتشي هي حكاية التناقض بين الحقوقي والسياسي؛ فهناك الكثير ممن يتحدثون بحقوق الإنسان، ولكنهم في واقع الأمر ليسوا إلا سياسيين، وحقوق الإنسان، ليست إلا إحدى أدواتهم. سوتشي كانت واضحة في ذلك، حيث قالت في مقابلة لها بعد خروجها من الحبس في ٢٠١٠: "لتكن الأمور واضحة، أرغب في أن يتعامل الناس معي كشخصية سياسية، لا كرمز لحقوق الإنسان". هكذا هي الأمور إذن، دون رتوش.عندما دخلت سوتشي في التفاوض مع الجيش للتحول للديمقراطية، وتم الاتفاق على انتخابات في ٢٠١٥، وفاز حزبها، لم تحقق معادلة حكم حقيقية، بل قام الجيش بصياغة دستور يمنعها من رئاسة البلاد، واكتفت بمنصب غامض هو مستشارة الدولة.التحول من حقوقي إلى سياسي هو نموذج مكرر، والضغط عليه مفيد من الناحية الرمزية، ولدينا أمثلة عديدة من هذا النوع؛ عندما يصلون الى مواقع النفوذ، يظهر الوجه الآخر للمرآة.وضع سوتشي ووضع بلادها معقد جداً، وليس بالبساطة التي يطرحها كثيرون، ولكن الحقيقة هي أن الجيش مازال مسيطراً، وليس بإمكانها أن تمنع شيئاً على الأرض، فالقرار هو قرار الجيش، وكل ما كان مطلوباً منها هو الانتصار للمبادئ، ولكنها لم تفعل، فكان تخاذلها مركباً. ترتكب الانتهاكات في كل مكان، ولكن ليس كل مكان به شخصية دافع عنها العالم، انطلاقاً من التزامها بمبادئ حقوق الإنسان، فتخلت عن ذلك خشية فقدان جزء بسيط من السلطة، فكان خذلانها لنا كبيراً، وكان خذلانها الأكبر للضحايا الأبرياء الذين زاد عددهم حتى الآن على ٤٠٠ ألف لاجئ، في ظروف بالغة القسوة.