سعدت جداً عندما قرأت تصريح الوزير محمد العبدالله حول أن الثقة شبه معدومة بين الحكومة والمواطنين، فتصريح مثل هذا يستحق الثناء فعلاً كون كلامنا المتهم سابقاً قد وجد له أخيراً شاهداً من «وزرائها»، وما دمنا اتفقنا مع الحكومة على درجة الثقة حسب مقياسها هي لا مقياسنا نحن، فلنبحث عن سبب ذلك بعيداً عن التشفي أو التصيّد، فالمواطن ليس الفرزدق ولا الحكومة جرير لننشغل بالرد على بعضنا بأبيات الهجاء، وما نريده فقط هو معرفة سبب تردي الثقة حسب وصف معالي الوزير. الثقة بين الحكومة والمواطن بذرة لا تنبت إلا في تربة الأفعال لا صحراء المانشيتات والبيانات والتصريحات القاحلة، والثقة أيضا معادلة طردية كلما زادت فيها جدية الفعل زادت درجة الثقة، وكلما نقصت الجدية نقصت الثقة، والثقة كذلك نحوياً قد تكون جملة فعلية أينما وجد على سطورها الفعل رفع الفاعل بعده على أكف الإشادة والتشجيع، وقد تكون كذلك جملة اسمية لها ركنان الأول مبتدأ مانشيت لا يساوي حبره، والركن الثاني طبعاً في خبر كان!
إذا أرادت الحكومة رفع مستوى الثقة من درجة «العدم» إلى درجة «الوجود» فعليها أن تزرع بذرتها بالمكان المناسب بعيداً عن «الشو» وأضواء الكاميرات وصراعات المجلس، والمكان الذي أقصده هو أرضية معيشة المواطن البسيط وحقوقه الدستورية، من تعليم وصحة وإسكان وغيرها، فهناك ستنمو حتماً بذرة الثقة وتترسخ بلا شك جذورها، وتزهر أغصانها وتطرح ثمارها، أما غير ذلك فكلام ليل مانشيت يمحو سطوره نهار المواطن وحلمه التنموي العدمي. أخيراً شكراً معالي الوزير على صراحتك وشفافيتك، ولتعذرنا بدورك على صراحتنا، فالثقة بين المواطن وحكومته من أساسيات الاستقرار في أي بلد، ومفتاح لكل باب تنمية منشودة، فاحرصوا على بذرتها، ومن زرع حصد غلال الثقة وثمارها.
مقالات
خارج السرب: بذرة الثقة وصحراء «المانشيتات»
20-09-2017