الحرب والسياسات المختلة تهدد أهوار العراق
تواجه الأهوار مستقبلاً أكثر حراً وجفافاً، لكن إدارة الماء بفاعلية أكبر قد تساهم في حل المشكلة، فالناشطون البيئيون يتمنون لو أن إيران، والعراق، وسورية، وتركيا تتشاطر مياهها بطريقة أكثر وداً على غرار دول الدانوب، فمن الضروري تعديل مستويات السدود خلال سنوات المطر والجفاف لضمان تدفق الأنهر بوتيرة مستقرة.
قد تكون استعادة الأهوار جنوب العراق أهم انتصار بيئي في الأزمنة المعاصرة، فبعد أن تحولت إلى تراب وقصب ذابل عندما جففها صدام حسين ليحمل الثوار على الخروج منها في تسعينيات القرن الماضي، عادت هذه المناطق الرطبة لتزخر بالطيور، والنحل، وأغاني مربي الثيران، وكل ذلك بفضل جهود الناشطين المحافظين على البيئة في العراق، لكن تجدد هذه السيمفونية قد يكون إشارة إلى موت الأهوار الوشيك، فتهدد أزمة مياه ناجمة عن الهدر في الري، التبدل المناخي، وبناء السدود هذه الأهوار مرة أخرى.يؤدي ضعف تدفق الماء في نهرَي دجلة والفرات إلى تقدّم الماء المالح من الخليج العربي صعوداً باتجاه الأهوار، ويهدد هذا، إلى جانب تسرّب مياه المزارع الذي يعزز الملوحة، الحياة البرية والخضرة في هذه المناطق الرطبة، فضلاً عن سكان الأهوار العرب الذين اعتمدوا عليها طوال آلاف السنين. يعرب جاسم الأسدي، ناشط بيئي تربى في الأهوار قبل أن يجففها صدام، عن قلقه، مشيراً إلى أن مساحة الأراضي المخصصة لإعادة التأهيل والتي ستنجو في السنوات القادمة لن تتجاوز 5600 كيلومتر مربع. ويضيف: «صحيح أن هذه المناطق تبدو جميلة اليوم، ولكن ماذا عن المستقبل؟».تُعتبر هذه المشكلة في جزء منها محلية الصنع، إذ تهدر أساليب الري في العراق مقداراً كبيراً من الماء، كما أن المعدات المستعملة بالية، كذلك يعتمد مزارعون كثر على المحاصيل التي تتطلب كمية كبيرة من الماء مثل الرز، علاوة على ذلك، خصص السياسيون في الماضي المزيد من المياه لمقاطعاتهم الواقعة على أعلى مجرى الماء على حساب الأهوار. أما التكنوقراط الذين يسعون إلى الإصلاح، فيُضطرون إلى مواجهة الفساد المتأصل، والانشغال بالحرب المكلفة ضد تنظيم داعش، وتراجع أسعار النفط، علماً أن هذه كلها ساهمت في استنفاد خزائن الدولة.
لكن الجزء الآخر من المشكلة يقع خارج سيطرة العراق، فقد ابتلعت السدود التي بُنيت في سورية، وتركيا، وإيران طوال عقود مياه دجلة، والفرات، وغيرهما من الأنهار التي تغذي الأهوار، ولا شك أن السدود الجديدة التي ستُقام في تركيا، بما فيها سد إليسو الذي يولّد 1200 ميغاواط من الكهرباء، ستقلل أكثر تدفق مياه نهر دجلة.لم تفضِ المحادثات بشأن السدود إلى أي نتيجة، ويرجع ذلك في جزء منه إلى تعطّل الدولتين السورية والعراقية الكبير وفي الجزء الآخر إلى سيطرة «داعش» على مساحات واسعة من الفرات، كذلك تميل تركيا، كما يبدو، إلى استغلال موقعها في أعلى النهر، إذ تؤكد فرانشيسكا دي شاتيل، خبيرة في الشؤون المائية في المنطقة: أن «من الواضح أن هذا أكثر سهولة اليوم. فنظراً إلى الفوضى المستمرة، تستطيع تركيا المضي قدماً والقيام بما يحلو لها من دون أن يتسنى لأحد الوقت ليحاسبها».علاوة على ذلك، يرخي التبدل المناخي بظلاله على هذه المشكلة أيضاً، فقد وصلت درجات الحرارة الصيف الماضي إلى 54 درجة مئوية في جنوب العراق، وتُعتبر هذه من أعلى الدرجات على الإطلاق، لكن موجات الحر هذه قد تتكرر بوتيرة أكبر لتترافق مع الجفاف، ومع استغلال المياه الجوفية للتعويض عن النقص الحاصل، قد تجف طبقات المياه الجوفية القديمة.ازداد الرابط بين التراجع البيئي، والاضطراب السياسي، والهجرة وضوحاً منذ اندلاع الحرب الأهلية في دولة سورية المجاورة، حيث ساهم جفاف دام ثلاث سنوات في تأجيج الثورة ضد الرئيس بشار الأسد، ويواجه العراق، الذي يمزقه القتال بين فصائل الشيعة، والسنة، والأكراد المتخاصمة، الضغوط عينها.إذاً، تواجه الأهوار مستقبلاً أكثر حراً وجفافاً، لكن إدارة الماء بفاعلية أكبر قد تساهم في حل المشكلة، فالأسدي يتحسّر متمنياً لو أن إيران، والعراق، وسورية، وتركيا تتشاطر مياهها بطريقة أكثر وداً على غرار دول الدانوب، فمن الضروري تعديل مستويات السدود خلال سنوات المطر والجفاف لضمان تدفق الأنهر بوتيرة مستقرة، كذلك يستطيع المسؤولون العراقيون التفكير في حلول جديدة، وفق الأسدي، منها استئجار تخزين المياه في سد إليسو لاستعمالها وقت الحاجة، لكن الدول الأقوى استغلت ما تتمتع به من أفضلية بدل أن تسعى وراء التسوية.