حسمت المحكمة الدستورية، أمس، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، النزاع حول سلامة التصويت على منصب نائب رئيس مجلس الأمة، والذي ترشح له النائبان عيسى الكندري وجمعان الحربش، وانتهت إلى سلامة الإجراءات التي اتبعها المجلس باختيار الكندري نائبا للرئيس، بعد تفسيرها كلمة الحاضرين الواردة في المادتين 92 و97 من الدستور.وقالت المحكمة إن كلمة "الحاضرين" -محل طلب التفسير- تنصرف إلى كل من كان موجودا من الأعضاء في مكان اجتماع المجلس، وحاضرا وقت التصويت في انتخاب الرئيس أو نائبه أو إصدار القرارات أيا كان رأيه فيما هو مطروح.
وبينت ان "طريقة اختيار رئيس مجلس الأمة ونائبه تكون بطريق الانتخاب، وبموافقة الأغلبية المطلقة للحاضرين، فإذا لم تتحقق هذه الأغلبية في المرة الأولى أعيد الانتخاب بين الاثنين الحائزين أكثر الأصوات، فإن تساوى مع ثانيهما غيره في عدد الأصوات اشترك معهما في انتخاب المرة الثانية، ويكون الانتخاب في هذه الحالة بالأغلبية النسبية، فإن تساوى أكثر من واحد في الحصول على تلك الأغلبية تم الاختيار بينهم بالقرعة".واردفت: "وباستجلاء نص المادتين 92 و97 محل طلب التفسير الماثل، وكذا ما يرتبط بهما من نصوص أخرى في الدستور، وبخاصة نص المادة 117 منه يتبين ما يلي: أولا: أن المادة 92 المشار إليها تناولت طريقة اختيار رئيس مجلس الأمة ونائبه، بحيث يكون ذلك الاختيار بطريق الانتخاب، وبموافقة الأغلبية المطلقة للحاضرين، فإذا لم تتحقق هذه الأغلبية في المرة الأولى أعيد الانتخاب بين الاثنين الحائزين لأكثر الأصوات، فإن تساوى مع ثانيهما غيره في عدد الأصوات اشترك معهما في انتخاب المرة الثانية، ويكون الانتخاب في هذه الحالة بالأغلبية النسبية، فإن تساوى أكثر من واحد في الحصول على تلك الأغلبية تم الاختيار بينهم بالقرعة".وزادت: "أما المادة 97 سالفة الذكر فقد تناولت شروط صحة اجتماع مجلس الأمة، وحضور أكثر من نصف أعضائه، كما تطلبت لإصدار القرارات موافقة الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين". وأشارت الى أن هاتين المادتين خلتا من الإشارة إلى أي إجراءات أخرى غير ما ورد بهما، وتركتا للائحة الداخلية التي يضعها مجلس الأمة طبقا للمادة 117 من الدستور بيان تفصيلات إجراءات التصويت وأوضاعه، وذلك بما لا يخل بالأحكام الواردة في هاتين المادتين بصفة خاصة، وأحكام الدستور بصفة عامة. واستطردت: "كما أن هاتين المادتين خلتا من أي ذكر لحالة امتناع عضو المجلس عن التصويت أو اعتباره في حكم الغائب على الرغم من تواجده وحضوره الفعلي، فضلا عن أنهما لا تحملان هذا المفاد لا صراحة ولا ضمنا".ثانيا: انه وإن كان الأصل أن كل عضو في مجلس الأمة عليه واجب حضور الجلسات لإبداء الرأي، إلا أن هناك حالة استثنائية وهي حالة الامتناع الشخصي عن التصويت أو إبداء الرأي، والدستور لم يمنع عضو المجلس من ذلك، وللامتناع أسبابه لدى الممتنع يحتفظ بها لنفسه، وهو موقف منه يتخذه حيال أي قرار مطروح لإبداء الرأي فيه.ثالثاً: إن قوام التفسير هو البيان والإيضاح، ومناطه أن يشوب النص الغموض والإبهام، وغايته استجلاء ما ران على النص من غموض وخفاء، وإن كان الأمر كذلك فإن إعمال التفسير والأخذ بأدواته وأصوله يكون جزءا أصيلا في اختصاص الجهة المنوط بها التفسير، وتأصيلا لذلك ترى المحكمة أنه إذا عرض عليها نص يستدعي التفسير، فلا يكون تفسير النص بمعزل عن غيره من النصوص، ويتعين النظر إليه برمته دون تبعيض له، فضلا عن أن نصوص الدستور متكاملة، بما لازمه أنها لا تفهم معزولة بعضها عن البعض، وإنما تأتي دلالة أي نص منهما في ضوء دلالة النصوص الأخرى، وفي اتصال ما تفيده الأخريات من معان شاملة، كما يجري استنباط الحكم من النص من خلال عباراته وألفاظه وفحواها، وإعمال مقتضيات العقل والمنطق، وتغليب التفسير الأقرب إلى روح الدستور ومراميه.وقالت: "عليه يكون الحضور -الذي اشتق منه لفظ "الحاضرين"- في المفهوم الدستوري والعرف البرلماني تواجد في مكان محدد، في زمن معين، لازم لصدور القرار البرلماني مما يستدعي أن يحضر العضو في مكان الاجتماع وزمانه، فحضور العضو في مثل هذه الحالة هو المؤثر في الحدث، ولا يُقبل أن يتغير ذلك الوضع من الحضور إلى الغياب، أيا كانت دواعيه أو مبرراته".رابعا: انه من أصول التفسير ألا تحمل النصوص على غير مقاصدها، وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها، والحاصل أنه باستعراض المادة 97 من الدستور أنه يشترط لصحة اجتماع المجلس حضور أكثر من نصف أعضائه، أي التواجد الفعلي في مكان الاجتماع وزمانه، ويشترط لاتخاذ القرارات موافقة الأغلبية المطلقة لهؤلاء الحاضرين، بغض النظر عن مواقف الأعضاء الآخرين سواء كانوا من المصوتين بالرفض، أو ممن امتنعوا عن التصويت.وصيغة المادة 97 تؤدي إلى التحقق والتثبت قبل الشروع في أخذ الآراء وإصدار القرارات من تكامل العدد المطلوب من الأعضاء لاجتماع المجلس صحيحا ابتداء، وبالتالي لا يتوقف حساب عدد (الحاضرين) على موقف كل عضو من التصويت، ولما كان ذلك وكان نص المادة 92 من الدستور قد اشترطت -ابتداء- انتخاب رئيس المجلس ونائبه بالأغلبية المطلقة للحاضرين، أي بحصول المرشح الفائز على أصوات تزيد على نصف عدد الحاضرين بأي قدر وقت التصويت، وعلى ذلك فإنه يتعين الالتزام بما ورد بالمادة 97 لإعمال مقتضى المادة 92 في هذا الخصوص مع وجوب التقيد بأحكامها في هذا الشأن، ودون الخروج عن صحيح الأمر في تفسيرها على النحو سالف البيان.خامساً: ان عضو المجلس الممتنع عن التصويت الذي كان موجودا في مكان اجتماع المجلس وحاضرا وقت التصويت، يتعين حسابه في عداد الحاضرين، ويسري الحكم ذاته على من شارك في التصويت بورقة بيضاء.
تفسير «الحاضرين» في الدستور
أكدت المحكمة الدستورية ان طلب التفسير جاء منصرفا إلى تفسير كلمة «الحاضرين» الواردة في المادة 92 من الدستور، والتي تنص على أن «يختار مجلس الأمة في أول جلسة له، ولمثل مدته رئيسا ونائب رئيس من بين أعضائه، وإذا خلا مكان أي منهما اختار المجلس من يحل محله إلى نهاية مدته، ويكون الانتخاب في جميع الأحوال بالأغلبية المطلقة للحاضرين ...»، وكذا تفسير كلمة «الحاضرين» الواردة بالمادة 97 من الدستور، والتي تنص على أن «يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين ...»، وما يستتبعه ذلك من أهمية الوقوف على مدى إمكانية احتساب الممتنع عن التصويت من ضمن الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين المتطلبة لصحة انتخاب الرئيس ونائبه، أو دخوله في اكتمال النصاب القانوني اللازم لإصدار القرارات، أو اعتباره بمنزلة (الغائب) حكما على الرغم من حضوره الفعلي، وذلك من الوجهة الدستورية في ضوء النصوص الواردة بالدستور ذات الارتباط وبخاصة ما نصت عليه المادة 117 من الدستور التي عهدت إلى مجلس الأمة وضع لائحته الداخلية متضمنة الطريقة التي يؤدي أعماله على موجبها لممارسة صلاحياته الدستورية، والتي جاء نصها على أن «يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت...».