دون مقدمات، أصدر ديوان الخدمة المدنية قرارا بشأن قواعد وإجراءات تكويت الوظائف الحكومية، لإلزام الجهات الخاضعة لسلطته بإحلال الموظفين الكويتيين محل الوافدين خلال 5 سنوات، وفقا لنسب محددة، وطبقا للوظائف المصنفة في الديوان من هندسية وتعليمية وفنية وإدارية وأمنية وغيرها.ولا شك في أن التكويت كهدف هو حاجة أساسية ضمن خطط أي إدارة عامة تسعى إلى حل مشكلات البطالة وتوطين سوق العمل، لكنه وفقا للقرار الصادر من ديوان الخدمة يصطدم بمجموعة من السياسات والتناقضات، إذ إن هذا القرار مستنسخ في معظم صيغته وأهدافه من القرار رقم 13 لسنة 2007 الذي «ألزم» الجهات الخاضعة لسلطة الديوان برفع نسبة الكويتيين في قوة العمل إلى 90 في المئة على الأقل دون أن يتحقق من أهداف ذلك القرار أي تقدم، لا في الأرقام ولا في مهنية المتابعة والتنفيذ على مدى 10 سنوات، بل تراجعت نسبة الاستهداف خلال هذه المدة إلى 85 في المئة.
فضلا عن أن الجهاز الذي تولى هذه المهمة منذ عام 2007، وهو ديوان الخدمة المدنية، لم يوضح الأدوات الكفيلة بعدم تكرار نفس النتيجة السيئة في قراره الجديد العام الحالي.
تقرير المتابعة
وحسب تقرير المتابعة السنوي لخطة التنمية 2016 - 2017 فإن عدد الكويتيين العاملين في القطاع الحكومي يبلغ 344.6 ألف شخص، يقابلهم 144.9 ألف وافد في نفس القطاع، بمعنى أن الكويتيين يشكلون 68.4 في المئة من إجمالي موظفي القطاع الحكومي، مقابل 32.6 في المئة للوافدين، بينما يشكل الكويتيون في القطاع الخاص، البالغ عددهم 89 ألف موظف -بعد استبعاد القطاع العائلي- 5.6 في المئة فقط، ويؤثر هذا الرقم على التركيبة السكانية في البلاد، التي تميل لمصلحة الوافدين بواقع 69.5 في المئة مقابل 30.5 في المئة للمواطنين.اللافت في قرار أو وعود التكويت هو تناقضه مع مستهدفات خطة التنمية التي تسعى، ولو نظريا، إلى تحقيق نمو سنوي لأعداد الكويتيين في القطاع العام بنسبة دون 0.31 في المئة، بينما تستهدف نفس الخطة رفع نسبة الكويتيين في الخاص 24.2 في المئة، في حين أن قرار التكويت، حسبما نشرته الجريدة الرسمية، يستهدف تحقيق نمو لا يقل عن 25 في المئة في وظائف الكويتيين بالقطاع الحكومي، وهنا لا نتحدث عن صحة قرار التكويت أو خطأه، بل عن تناقض سياسات الدولة تجاه سوق العمل.انحراف الأرقام
هذه الأرقام «المنحرفة» عن خطط الدولة الرسمية كخطة التنمية خصوصا بمتطلبات سوق العمل والتركيبة السكانية لا يمكن معالجتها عبر سياسات محدودة الأهداف كالتكويت، بل من خلال مشاريع أكبر لإصلاح سوق العمل، مثل البديل الاستراتيجي للرواتب بعد تطوير أهدافه بما يصب في مصلحة الاقتصاد، أي إن هذا الاستراتيجي يجب أن يتجاوز مسألة تحقيق العدالة بين موظفي الدولة ليكون عاملا من جملة عوامل لإصلاح سوق العمل، الذي يصل حاليا إلى 20 ألف وظيفة سنويا، توفر الدولة معظمها عبر قطاعاتها، وسيصل حسب بيانات حكومية رسمية بحلول 2030 إلى 74 ألف وظيفة سنويا، أي بمعدل 3.7 أضعاف طلب العمل الحالي، ومن دون تنويع الاقتصاد واستقطاب أموال أجنبية وتوفير فرص حقيقية للشباب ستكون لدينا بطالة ذات تأثير اجتماعي واقتصادي وحتى سياسي بالغ السوء.تناقض السياسات
السعي نحو التكويت يعني أن الدولة تتعهد بمزيد من التوظيف في القطاع العام، وهذا يناقض جميع تعهدات الحكومة، وخصوصا وزراءها المشرفين على الشأن الاقتصادي من جهة تضخم الجهاز الحكومي والعبء على الميزانية العامة للدولة، وأن الخطط والسياسات تتجه نحو دعم فرص العمل في القطاع الخاص ودعم المبادرين والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن أن التكويت ليس هدفا بحد ذاته إذا لم يرتبط بالاحتياجات الفنية في العديد من القطاعات الهندسية والطبية والتقنية وليس في الأعمال الإدارية.شباب الكويت
وسكان الكويت معظمهم من الشباب، بمعنى أن 60 في المئة من مواطنيها دون سن الـ24 عاما، ومن ثم فإن تحدي سوق العمل يتشابك مع تحدي تطوير النظام التعليمي، الذي يتم الإنفاق عليه بمعدلات عالمية تصل إلى 3.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم يوازي ما ينفق على التعليم في دول كسنغافورة وكوريا الجنوبية وألمانيا وفنلندا وغيرها.ومع ذلك فإن العوائد من هذا الإنفاق العالي تأتي سلبية جداً، فالكويت تحتل مراتب متدنية عالميا، إذ احتلت المرتبة 85 في مجال التعليم العالي والتدريب، والمرتبة 88 في جودة النظام التعليمي، والمرتبة 99 في مؤشر جودة تعليم الرياضيات والعلوم، والمرتبة 103 في جودة التعليم الأساسي، كما أوضح التقرير السنوي العالمي للتنافسية 2015 - 2016.الجودة لا الكم
ولا شك في أن تراجع المستوى التعليمي رغم الإنفاق المالي المرتفع ينعكس سلبا على جودة المخرجات لسوق العمل، خصوصا في التخصصات الفنية والعلمية التي يعاني بعضها عجزا في العمالة الوطنية يصل إلى 80 في المئة من احتياجات السوق.وهنا يجب أن يبرز الحديث أكثر عن جودة التكويت، وتوجيه مساره نحو التخصصات التي يحتاجها السوق، كالتمريض والعلوم والهندسة والطب وتشعباتها، فالهدف هنا يجب أن ينصب على نوع التكويت وجودته وليس حجمه أو كميته.«إبرة بنج»
على الأغلب كان قرار التكويت استجابة، أو لنقل «إبرة بنج»، لمواجهة ضغط نيابي ومجتمعي ضد زيادة أعداد الوافدين في الجهاز الحكومي، حتى وإن كان القرار يناقض كل ما ورد في خطة التنمية ووثيقة الإصلاح المالي والأسس التي أعلن أنها ستكون قاعدة للبديل الاستراتيجي، كون الإدارة العامة باتت تنافس الأطروحات الشعبوية والانتخابية لبعض النواب، فتصدر قرارات لتجاوز مواجهة أو تأجيل استحقاق.