من دون استئذان تدخل قصائد طلال حيدر القلوب بكلماتها البسيطة وسحرها الذي تستمدّه من محاكاتها الطبيعة، «فالشعر روحنا على الورق»، كما وصفه في أحد حواراته. هو أبرز الشعراء باللغة المحكية في الساحة اللبنانية، و«المحكي فصحى متطورة»، كما قال يوماً.

الشاعر الذي غنّت له أصوات ملتزمة من بينها فيروز ومارسيل خليفة وأميمة خليفة ونجوى، كرم ولد في منطقة البقاع في لبنان حيث قلعة راشيا العابقة برائحة الاستقلال وهناك كُرِّم أخيراً.

Ad

حضر الاحتفال عدد من الشخصيات الثقافية والفنية والسياسية، أبرزهم عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب في البرلمان اللبناني وائل أبو فاعور، والفنان مارسيل خليفة، والكاتب طلال سلمان.

أبو فاعور توجّه إلى المكرم بالقول: «أيها المخادع، تبادر وتغادر، تواعد ومن ثم تباعد، وتترك خلفك قلوباً جريحة وتخدعنا، وينشدك مارسيل ونردد خلفك بكل البلاهة كأننا نحج إلى فلسطين ووحدك تعرف أنك تخدعنا وأنك مغادر، أنشد: قله الجرس لصوت...».

أضاف: «أيها المفتن كيف فرقت بين الجرس وبين الصوت وكيف أوقعت بينهما، وأنشدت يوماً: بس تفرحي بيطير من صدري الحمام بس تزعلي عا مصر باخدلك الشام. أيها المخدوع، الا تعرف أن مصر تكاد توصد أبوابها إلا أمام المحن، ولا تعرف أن الشام باتت كسيحة حزينة تتقاسمها حراب القتلة، حكام طواغيت ووحوش خرجت من باطن الظلام؟ أيها المرتد كيف تجعل الحب ديناً وتجعل الدين حباً؟ سأشي بك إلى الأنبياء المزورين وللقتلة المتدينين، وسأرشدهم إليك وأدلهم عليك وسيأخذونك وسيجرونك من قوافيك وسيعلقونك من قصائدك وسيحرقون أفكارك، ومن ثم سيلتهمونك وليمة مقدسة وسيرقصون حولك... وسأشمت فيك».

وتابع أبو فاعور في كلمته التي فاضت شعراً: «أيها المتمرد أتتجرأ على الحاكم الطاغوت، وتسميه أبا لهب. سأخبر الطاغوت عنك. ساكتب عنك تقريراً. وسأخبر جواسيسه وكل كلابه، كلباً كلباً، كي يسملوا عينيك، ويرموك ببرميل متفجر، وكي يرشوك بالكلور، ويعلقوك فيسيل منك الحبر بدلاً من الدم، وتنزف كلمات وقصائد. لقد قررنا في زمن التفاهة والبلاهة، أن نزدان بك واستحضرنا لتكريمك سياط محبة. استحضرنا طلال سلمان القابض على جمر العروبة، ولو احترقت يداه، والقابض على قلم الرصاص، على رغم أنه اختبر قسوة الرصاص ليشهد لك ويشهد عليك».

وختم: «استحضرنا لك مارسيل خليفة، أبانا الذي في النغمات، ليتردد لحنك، ليتمجد عودك ولتسد موسيقاك. طلال حيدر، أما وقد عرجت على هذه القلعة، اليوم، يكتمل بك استقلالنا الحقيقي».

أجنحة من نور

أما ناشر جريدة «السفير» طلال سلمان فقال في المُكرّم: «اعترف بأن اسمه شكّل لي تحدياً مفتوحاً، وفرض علي أن أعمل بأقصى طاقتي كي يحتل اسمي المنثور مكاناً إلى جانب اسمه الذي يختلط فيه الحرف بالنغم، ويتوهج بالموسيقى التي تأخذه إلى النشوة... وهو أفاد من ترتيل القرآن بالقراءات السبع، كي يجعل للكلمات أجنحة من نور ترف فوق سامعيها... ومع أنه يتحدر من أسرة فيها باشوات وبكوات، فلقد قرر ونجح في أن يكون آخر الصعاليك العرب، وأبقى ذكره مسبوقاً بالآه من كل أصحاب الألقاب المفخمة والتي تذهب مع الريح».

«هو طلال حيدر بلا لقب يسبق اسمه، ولكن النشوة تلحق بالاسم المعطر فتكاد تنزله في السلم الموسيقي للطرب الأصيل»، قال سلمان وختم: «لست هنا في مجال المبارزة مع هذا الذي يتبدى عجوزاً حتى إذا بانت الحسان استعاد شبابه، ونهض إلى الدبكة يرقصها بشعره، فإذا النشوة تتفوق على الغزل، وتدخله في الامتحان الصعب مع عشيقاته. لقد نظم عشيقاته قصائد، لكن الشعر لا يروي غليل الصبا، وإن تكريمكم لطلال حيدر هو تكريم للشعر للكلمة المضمخة بطيب الحسناوات وفخر الرجولة، إنه تكريم ممن يتذوق لمن يستحق».

مجنون

«طلال حيدر ارتكب الشعر، هذه الخطيئة الفاتنة، هل هو مجنون؟»، سأل الفنان مارسيل خليفة وأجاب: «نعم، يتحدث كآلهة بعلبك، ومن ثم يصرخ بصوت مجروح، ويواصل تلاوته حتى يفيض الشعر، يتلو طلال والعمر يعجز عن إحداث وهن في قصيدته، ولا في عواطفه وشهواته. يدفعنا ذلك إلى التأمل في علاقة الشعر بالزمن، شعر لا يموت ما دام طلال لا يشيخ، مهما كبر بعد سبعين سنة وأكثر كثيراً، أو أقل قليلاً، يظل شاباً خارجاً على القانون، متمرداً، صوفي التأمل والروح والحلم والتوحد»....

طلال حيدر بدوره ردّ على أبو فاعور وخليفة وسلمان في كلمة واحدة ذكر فيها: «الحبيب الحبيب وائل أبو فاعور، الذي أطلق علي الرصاص، لكنه نسي أنني هنا درزي أتقمص ولا أموت. والساكن معه في ذات الاسم طلال سلمان، الشهيد الحي الذي ذكر كل شيء، ونسي أن يتحدث عن الرصاصة التي أصابته ولم تقتله، لأن الطغاة إلى نهاية والمصابين يبقون أحياء. أما مارسيل خليفة فلا جواب على ما قاله، إلا الدمع لأن صداه أعظم من الحب: «حبيبتك بتتركلها حرية بتسكن بجسمها، صديقك بتفرحلو بس يسكن بجسمو ويبالغ». اغتالوا من لا يقع عليه فعل الموت كمال جنبلاط، وأعمار الطغاة قصار، وعندما أذكره يجب أن تمنحوني بعض الصبر كي أسترجع نفسي لأنني أكون معه هناك».

وأنشد حيدر قصيدة في كمال جنبلاط وبعض قصائده التي غناها مارسيل خليفة وغيره من الفنانين. 

كلمات ودروع
تخللت الاحتفال كلمة لرئيس بلدية راشيا بسام دلال قال فيها: «من قال إن الجبال وحدها لا تلتقي، لم يدرك قوة الكلمة وسحر النغم وعبقرية اللون. وما عرف يوما كيف يمكن لتلك الهزات الجمالية التي يبعثها الشعر العالي فينا، أو تلك العواصف السحرية التي تثيرها الموسيقى الراقية في أرواحنا أن تحيل المستحيل حقيقة».

ثم ألقى الشاعر زاهر أبو حلا قصيدة، وكانت كلمة ترحيب باسم البقاع ألقاها الشاعر نزيه عبد الخالق. وكانت قدمت الحفلة مايا خضر، فأعربت عن عمق محبة الناس للشاعر طلال حيدر الذي غنى له الكبار من موسيقيين وفنانين، ثم قدمت الدروع إلى المكرمين ولوحة فنية عبارة عن رسم طلال حيدر بريشة الفنانة جمانة البيطار، ولوحة بريشة الفنانة خلود الطفيلي.

واختتم التكريم بحفلة غنائية للفنانة نسرين حميدان وفرقتها الموسيقية، وشاركها الفنان مارسال خليفة بأغنية «مفتاح القدس» التي الهبت حماسة الجمهور وتمايل على أنغامها المكرم طلال حيدر.