المتقاعد الكويتي
المطالبة الشعبية والبرلمانية بتخفيض سن المتقاعد وسنوات العمل يقابلها تذمر شريحة واسعة من المتقاعدين بسبب التهميش، خصوصا مع إصرار الحكومة على استخدام حقها في إحالة من أمضوا أكثر من ثلاثين سنة بالخدمة، لذلك لم يكن من المستغرب أن تلاقي القصة التي جمعت الكويتي مع الياباني قبولا واسعا بين أوساط المتقاعدين رغم الفنتازيا والخيال اللذين جمعا بين الرجلين. البعض يختصر الحلول فقط في فتح المجال للمتقاعد للاستعانة به بناء على الخبرات التي تحصل عليها أثناء فترة عمله، وهو حل لا يمكن تعميمه كونه لا يخدم إلا مجموعة صغيرة من أصحاب التخصصات والمهارات النادرة، لذا فالقضية تتجاوز ذلك وتدخل إلى مسار مساعدته وتعريفه بالوسائل والطرق التي تمكنه من متابعة حياته والاستمتاع بها.غالبية المتقاعدين يَرَوْن في فكرة الإحالة إلى التقاعد فرصة للراحة النفسية والاسترخاء لكن في المقابل هناك فئة قليلة ترفض فكرة التوقف عن العمل الوظيفي لأسباب لست بصدد تحليلها، ومن الضروري أن يجد المجتمع مسارات أخرى تعوضهم عما اعتادوه من عمل أمضوا معظم حياتهم فيه.
الفنتازيا التي جمعت المتقاعد الياباني مع الكويتي فيها بعض الأفكار القيمة، وفيها ما يصلح تطبيقه كتعليم المتقاعد مهارات وحرفا مهنية بسيطة، مثل الاعتناء بحديقة المنزل، وتعلم فن الرسم والخياطة، وأيضاً الاستعانة بهم لتنظيم حركة المرور في المناطق السكنية وأمام المدارس، وهنا يمكن أن تساهم الجمعيات التعاونية في كل منطقة بتخصيص مكافأة مالية تصرف لمن يقوم بهذا العمل. هناك الكثير من الوظائف الإدارية والحرفية البسيطة التي يمكن أن يقوم بها المتقاعد توفر على خزينة الدولة مبالغ كبيرة، وتساهم في تعديل التركيبة السكانية من خلال الاستعانة بهم في بعض الوظائف التي لا تتطلب الكثير من الجهد، أو من خلال فتح صندوق المشاريع الصغيرة ليشمل شريحة المتقاعدين. على الطرف الآخر هناك من استثمر وقته ووجد في التقاعد فرصة سانحة للمضي نحو مشاريعه الخاصة، حكايات النجاح التي نسمعها كثيرة، وسأكتفي بذكر قصة صديق قد تقلد منصب وكيل وزارة مساعد لدورتين كان بمقدوره العودة إلى وظيفته الأولى كعضو هيئة تدريس كحق مكتسب، لكنه رفض وأكمل مسيرة النجاح بطريقته الخاصة، حيث ذكر لي أن العمل بعد التقاعد فرصة ومتعة لم أكن أتخيلهما، وما أتحصل عليه من عوائد مادية حالياً أضعاف ما كنت أتقاضاه من وظيفتي الحكومية، علاوة على أنني أملك نفسي ووقتي وأتحكم فيهما كيفما أشاء.هذا الشعور الإيجابي هو ما يجب أن يسود بين جموع المتقاعدين، وبالإيمان بأن تلك المرحلة من سُنَن الحياة وعلى الفرد استثمارها بما يتناسب والفرص المتاحة، وإن من يرى في نفسه العطاء لا يندب حظه، وإن من يرى أنها فترة راحة فعليه استغلالها والتمتع بها، فالزمن لن يعود للوراء ولكن الحاضر والمستقبل ملك يديك.نصيحة لا تجعل من التقاعد سبباً لتعاستك، ولا من جاه الكرسي قيدا تضعه على يدك، فالحياة جميلة وفيها من الفرص ما لا يمكن تخيله، فلا تقف عند أطلال وظيفتك السابقة فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك. ودمتم سالمين.