تساؤلات محرجة لا تبحث عن إجابة
هل هناك من يريد الحل فعلاً؟ هذا سؤال أتحاشاه عندما يمر على ذهني سؤال حول القضية الفلسطينية، لا أرغب أن أواجهه، أفضل أن أظل مقتنعاً بأن الجميع- خصوصا الأطراف الفلسطينية- تريد بالفعل أن تحل هذه القضية التي راق للأغلبية أن تسميها قضية العرب الأساسية.عندما أرى ما يحدث حولي من مواقف عديمة اللون والطعم والرائحة، وأجد تراخيا أو تراجعا، أو تكاسلاً، أو تجاهلاً من أطراف مختلفة- خصوصا من الأطراف الفلسطينية- تجاه موقف ما أو حالة ما تصب في اتجاه تحريك القضية يثور السؤال الذي طرحته من البداية، ويحاول أن يتسلل عبر مقاومتي له حتى لا أتعرض لمواجهة الإجابة عنه.وليس بعيدا عن هذا الإحساس رد الفعل على ما أثير ويثار خلال الأشهر الأخيرة عن محاولات ومناورات للإصلاح الداخلي أو للمصالحة الوطنية بين "فتح" و"حماس" أو بين "فتح" و"فتح"، أو بين "حماس" وجزء من "فتح"، يضاف إلى ذلك الحديث عن حل أشهر مشكلة في تاريخ البشرية، أو الحديث عن تفاهمات إسرائيلية فلسطينية أو مشروع للسلام، كل ما يدور حدوده الحركة المستهدف منها البقاء على سطح الماء وتجنب الغرق، هدف البقاء هنا هو للقيادات لا القضية.
نحن جيل بل أجيال عاشت على أهمية قضية فلسطين وتحرير القدس، وبعضنا عاش مرحلة حلم القضاء على إسرائيل، ثم تراجعت أحلامنا وطموحاتنا إلى مجرد وجود دولة -أي دولة - تحمل اسم فلسطين، ثم أردنا أن نصل إلى أي جزء يقع في حدود القدس لنطلق عليه القدس لنحقق حلماً- يبدو أنه سيظل حلماً لبعض الوقت- ولا أريد أن أتشاءم وأقول لكل الوقت- من عاش منا هذه المرحلة وتلك الأفكار لا يريد أن يصدق أن هناك أطرافا - خصوصا لو كانت فلسطينية- لا تريد الحل، لذلك أحاول دائما التهرب من مواجهة السؤال.منذ سنوات طويلة قاربت العشرين كان لي صديق دبلوماسي فلسطيني- هو في منصب مهم الآن- حكى لي قصة "بار بانايوتي" وهي أن صاحب هذا البار كان كل ليلة يقرر أن يغير مواقع الطاولات والكراسي يميناً ويساراً، أماماً وخلفاً وكان كلما سأله أحد لماذا تفعل هذا يا بانايوتي فالأمر لا يتغير كثيراً والشكل لا يتغير وكل شيء على ما هو عليه؟ فكان يرد قائلاً "شوية خركة يا خبيبي" أي "شوية حركة يا حبيبي"، وكان يعقب صديقي الدبلوماسي الفلسطيني بعد هذه الحكاية قائلاً: هذا هو الوضع على الساحة الفلسطينية شوية حركة على طريقة بانايوتي.لا أريد أن أوجه السؤال أو الشك بأنه لم يعد هناك كثيرون يهتمون بحل هذه القضية، لا أريد أن أواجه التساؤل، هل أصبح بعض العرب- قد يقول البعض معظمهم- مرتاحين لهذا الوضع؟ ولا أريد أن أواجه التساؤل حول ما إذا كانت بعض القيادات- البعض يقول معظم القيادات- الفلسطينية مرتاحة لهذا الوضع القائم، واستفادتها وقوتها وحضورها نابع من هذا الوضع القائم، لا أريد أن أواجه الشك في أهداف بعض القيادات الفلسطينية (البعض يعتقد أن معظمها)، وهل تنبع بعض مواقفهم (آخرون يقولون معظمها) من مصالح ضيقة ومصلحة مستمرة؟لا أريد أن أواجه هذه التساؤلات وتلك الشكوك ولا أريدكم أن تواجهوها أنتم أيضاً.