نهاية الرسائل المختلطة من بنك إنكلترا
كان قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متهوراً تماماً وكان على المصارف المركزية خفض مشاعر القلق بدلاً من اضافة المزيد اليها.كما أن بنك انكلترا كان على حق في توجيه اشارة تتسم بالحذر وأن يبلغ عن قرب حدوث زيادة في معدلات الفائدة، والأكثر أهمية بقدر أكبر هو المضي في هذا القرار وتنفيذه. وأنا لن أعمد الى السخرية من فكرة أن أحد المشرعين ألقى بالمسؤولية على حاكم بنك انكلترا مارك كارني في قيامه بتوجيه رسائل غير متساوقة، وكان هذا البنك يعالج ظروفاً استثنائية كما أن التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في السنة الماضية وضع كل جوانب السياسة والحياة العامة في حال من الفوضى.
والحال نفسه ينسحب على الاقتصاد، ومن المتوقع أن يتجاوز معدل التضخم نسبة 3 في المئة وهي نقطة مئوية كاملة فوق الحد المستهدف من قبل البنك المركزي، وعلى الرغم من ذلك فإن النمو يتسم بالضعف ويوجد اجماع واسع على أن الارتفاع في معدل التضخم يشكل انعكاساً للهبوط الذي شهده الجنيه الاسترليني، وهو في حد ذاته نتيجة لقرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وليس بسبب التشدد في سوق العمل.وتجدر الاشارة الى أنه في ظل الظروف العادية كانت معدلات الفائدة سوف ترتفع بحلول هذا الوقت، وعلينا أن نتخيل كيف سيكون الحال لو أن البنك المركزي واجه معدلات تضخم أعلى من الحد المستهدف، ومن المحزن أن الوضع الطبيعي انتهى في شهر يونيو من العام الماضي مع قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي.الخيارات الصعبة ولكن الخيارات الصعبة القاسية لا تلغي الحاجة الى اتخاذ قرارات من أجل مواجهتها، وقد قرر البنك المركزي اللجوء الى انسحاب متواضع من التحفيز. وبالنسبة الى بنك انكلترا الذي يفترض أن يقوم بدوره الريادي فإن معدلات الفائدة الأعلى يجب أن تتحقق عاجلاً وليس آجلاً، والصورة المتقلبة الاخرى سوف تلحق الضرر بالوضع الصعب في المملكة المتحدة، وقد مررنا بهذه الحالة من قبل في الآونة الأخيرة عندما تحدث كارني في مؤتمر في البرتغال في أواخر شهر يونيو الماضي وبدا وكأنه يعد العامة لخطوة وشيكة، ثم حدث تراجع لافت.وقد كتبت في الشهر الماضي أقول إن اتخاذ البنك لقراره في شهر أغسطس هو التصرف الصحيح وذلك في ضوء ضعف معلومات النمو، كما أنني قلت إن الأمور سوف تصبح مثيرة للاهتمام حقاً لو أن معدل التضخم لم يتراجع ولم يتحسن النمو. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أين نحن الآن؟ ومعدل التضخم لم يهبط فقط بل ارتفع ليصل الى 2.9 في المئة، وقال بنك انكلترا في بيان منذ أيام إن معدل التضخم قد يتجاوز نسبة 3 في المئة في وقت قريب.وخلص بنك انكلترا الى نتيجة تقول إن الوضع مثير للاهتمام بما يكفي في الوقت الراهن، وهنا يبرز السؤال حول كيفية رفع معدلات الفائدة من دون التأثير على النمو فيما تعبث الطبقة السياسية بالاوضاع؟ وفي وسع مارك كارني وفريقه رفع معدلات الفائدة بنسبة ربع نقطة مئوية لتصل الى 0.5 في المئة، والقول إن ذلك هو ما يمكن تحقيقه في الوقت الراهن. وسوف ينقل ذلك رسالة مفادها أن الحالة الطارئة التي أعقبت الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي قد انتهت الآن وذلك من دون الالتزام بسلسلة من الزيادات التي قد لا يتمكن الاقتصاد من تحملها ومعالجتها.ونحن نتحدث عن الانسحاب من عملية التحفيز، وليس عن رغبة في تقييد أنشطة اقتصادية، ثم إن القول بأن معدل التضخم سوف يتجاوز الهدف خلال السنوات الثلاث المقبلة يعني ضمناً أن البنك لن يرفع معدلات الفائدة سعياً وراء العودة الى الحد المستهدف.وهكذا يمكن القول إن هذه دفعة أولية بانتظار وضوح الصورة وانجلاء الضباب، والسؤال هو: هل يمكن للظروف أن تتغير؟ والجواب هو نعم. وقد اتخذ بنك انكلترا القرار الصحيح في شهر أغسطس، والخطوة الأفضل الآن هي الانتهاء من هذه الحالة.وذلك يعني اجتماع شهر نوفمبر المرتقب للجنة السياسة النقدية، وسوف يتسلح المسؤولون بتنبؤات جديدة وسوف يكون فرصة لنقل ما تعنيه الزيادة وما لا تعنيه، وهو الوقت الملائم تماماً لاظهار الموثوقية.* Daniel Moss