"هونغ كونغ" كانت المدينة التي تضج بالفساد منذ بداياتها في نهاية القرن التاسع عشر، عصابات منظمة وفساد في الأجهزة الإدارية ليس له حدود حسب تعبير الكاتب روتبرغ (علاج الفساد)، توالى على إدارتها عدد من المحافظين من المملكة المتحدة، لم يستطع أي منهم إنهاء إمبراطورية الفساد، بل ساهم بعضهم في نشر أمراضه، عام 1974، تولى أمرها السير موري ماكلاهوز، وأسس هيئة هونغ كونغ لمحاربة الفساد، وكلفها بالتواصل معه مباشرة، كانت مهمتها التحقيق بكل شكاوى الفساد دون استثناء، كانت أكبر هيئة بالمنطقة، استهلت عملها بالتحقيق مع 18 ألف ضابط شرطة اتهمتهم بقضايا فساد.في عام 1980 تحولت الهيئة إلى التحقيق بقضايا الفساد في القطاع الخاص، وكانت للهيئة المذكورة سلطة ملاحقة المتهمين، وتحويلهم إلى المحاكم، وتوسعت سلطاتها إلى نشر ثقافة محاربة الفساد بين الناس، بمعنى أن دورها لم يكن سلبياً محصوراً في استقبال الشكاوى، بل يتجاوز ذلك لنبش عشش الفساد من تلقاء نفسها، تدخلت في دراسات عن الفساد بقضايا المرور والتعليم، وبسلطاتها الواسعة وقسوة إجراءاتها وحياد القائمين عليها أضحت هونغ كونغ من 1995 حتى 2005 رقم 12 كمدينة أقل فساداً، وعندما استلمت الصين إدارتها عام 97 كان شعب هونغ كونغ جاهزاً يمقت الفساد، وكانت المدينة الأفضل في النزاهة ونظافة الإدارة من قذارات الفساد.
سواء في هونغ كونغ أو سنغافورة كانت إجراءات ملاحقة الفساد "دراكونية" قاسية، لا تعرف الوساطة والتساهل أو التفرقة بين كبير وصغير، ابتدأت ملاحقة الفساد من الأعلى، كانوا يعرفون جيداً أن تنظيف السلم يبدأ من الأعلى، ومن الكبير نزولاً للصغير، لم تلق تهم الفساد على فراش بلدية هونغ كونغ وسنغافورة، ولم تطلب هيئة الفساد بهونغ كونغ مكاناً جميلاً بأرض غالية الثمن محسوبة من الأموال العامة على الواجهة البحرية، ولم يصدر قانون يمنح رواتب خيالية للقائمين عليها، كانت هناك إرادة وعزم وتصميم على محاربة الفساد بكل صوره، من الإدارة السياسية الحاكمة عبر خلق مؤسسات قانونية محايدة نزيهة، لم يكن المطلوب أكثر من ذلك، فهل كان فهم ذلك الدرس الهونغ كونغي أو السنغافوري صعباً على دول في مثل حالتنا! يبدو أننا ننفخ بقربة مثقوبة.
أخر كلام
فراش بلدية هونغ كونغ
24-09-2017