أيام قليلة تفصلنا عن بدء تطبيق نظام البصمة، الذي أقره مجلس الوزراء على جميع موظفي الدولة، بعد إلغاء الإعفاءات السابقة التي كانت تمنح للمديرين وكل من تجاوزت خدمته 25 عاماً وبعض الحالات المرضية أو من يعيلها، إلا في حالات الإعاقة الشديدة أو الذهنية المتوسطة، وأياً كانت الأسباب والدوافع وراء هذا القرار، فإن رفع شعار المساواة بين موظفي الدولة مهما اختلفت مسمياتهم الوظيفية خطوة في الاتجاه الصحيح، على الأقل من منظور عملي يخدم العمل وينهض بمستوى الخدمات المقدمة.لكن السؤال المطروح: «هل استعدت وزارات الدولة ومؤسساتها المختلفة لهذا القرار الذي ربما سيكون سبباً مباشراً في كشف المستور»؟!، لاسيما أن قبل هذا القرار، يعاني الكثير من الموظفين في الوزارات عدة مشكلات لا تزال تبحث عن حلول من المسؤولين دون جدوى، أهمها عدم وجود مكاتب في الوقت الحالي تستوعب الأعداد الموجودة في هذه الوزارات، مما يشير إلى أن مشكلة تكدس مجموعات كبيرة من الموظفين في مكاتب محدودة المساحة ستتفاقم أكثر من السابق بعد عودة الموظفين الذين ألغيت الإعفاءات عنهم، الأمر الذي يهدد بزيادة البطالة المقنعة التي كانت ولا تزال تعانيها بعض مؤسسات الدولة من خلال وجود أعداد كبيرة من الموظفين دون أي جهد أو واجب يؤدونه خلال أوقات العمل الرسمية.
ندرة المواقف
معضلة أخرى متوقع أن تطفو على السطح بشكل أكثر علانية، هي قلة المواقف المخصصة للموظفين، لاسيما أن هذه المشكلة الأزلية مستمرة في العديد من الوزارات التي تعاني أصلاً صغر المساحة سواء في مبانيها الرئيسية أو المواقع التابعة لها والمنتشرة في جميع المحافظات، إذ نسمع دائماً عن تذمر كثير من العاملين في بعض الوزارات من قلة المواقف التي ستكون في وضع أسوأ من السابق مع عودة الموظفين المعفون من البصمة إلى الالتزام بالعمل، وضرورة وجودهم في أوقات محددة مع زملائهم في تلك الوزارات!أجهزة البصمة
ربما لا توجد إحصاءات دقيقة توضح أعداد الموظفين الذين سيعودون إلى «البصمة» من جديد، لكن من المؤكد أن هذه المجموعات ستسبب زحاماً وضغطاً كبيراً غير مشهود على أجهزة البصمة في الوزارات التي يعاني بعضها، إن لم يكن الأغلب، قلة هذه الأجهزة، وهي مشكلة تضاف إلى معاناة الموظفين في الالتزام بالبصمة، خصوصاً أن بصمة دخول الموظفين وخروجهم، كما هو معروف تتم في وقت واحد، الأمر الذي سيزيد من «طوابير» الانتظار حول هذه الأجهزة التي طلبت بعض الوزارات زيادتها منذ فترة ولم يتغير الوضع حتى الآن، على الرغم من اقتراب موعد تطبيق القرار على الجميع دون استثناء، لاسيما أن الأغلبية العظمى من وزارات الدولة تسابقت لإعلان إلغاء الإعفاءات المتعلقة بالبصمة والتي كان يعمل بها سابقاً.بيئة صالحة
ظهور مشكلة أو تفاقم أخرى أمور متوقعة في ظل متغيرات تطرأ على أي موقع عمل، لكن في مثل هذه القضية، فإن إعادة تفعيل البصمة على المديرين ومن أمضى سنوات طويلة في العمل وإلغاء كل الإعفاءات الخاصة ببعض الحالات المرضية أو غيرها، يجب أن يكون قراراً مدروساً من مختلف الجوانب، إذ إن هذه الوزارات مطالبة بخلق بيئة عمل صالحة أولاً وقبل اتخاذ أي قرار، وخصوصاً أن الجهات المعنية بهذه الوزارات ستحاسب كل من يخالف هذه الأنظمة الإدارية، وبالتالي فإن معالجة السلبيات وتوفير الوسائل المناسبة لتأدية الموظفين عملهم يجب أن تكون في مقدمة أولويات تلك الوزارات قبل تنفيذ القرار أو محاسبة غير الملتزم، وفي جميع الأحوال تبقى أعين الموظفين تراقب عقارب الساعة على أمل ولادة حل جذري للمشكلات المتوقعة في «بصمة أكتوبر»!