«إسماعيلية رايح جاي»!
في الخامس والعشرين من أغسطس عام 1997، ضرب السينما المصرية «زلزال» تمثل في فيلم بعنوان «إسماعيلية رايح جاي»، كتبه أحمد البيه عن فكرة للمطرب محمد فؤاد، الذي قام بالبطولة مع محمد هنيدي وحنان ترك وخالد النبوي، وأخرجه كريم ضياء الدين، ولم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يتوقع أن ينجح في تحقيق إيرادات ناهزت 15 مليون جنيه مصري، في زمن لم تتخط فيه أفلام النجوم حاجز السبعة ملايين جنيه!كانت صناعة السينما المصرية وقتها على وشك أن تُغلق أبوابها، وتُشهر إفلاسها، بعدما تراجعت معدلات الإنتاج، وانهارت أصول الصناعة، من دور عرض وأستديوهات ومعامل، كما شهدت تلك الفترة ما يُشبه النزوح الجماعي من الجمهور إلى التلفزيون و{شرائط الفيديو»، وجاء الأسبوع الأول لعرض «إسماعيلية رايح جاي»، الذي لم تتجاوز نسخ عرضه إحدى عشرة نسخة، حيث لم يكن معمولاً وقتها بنظام الشاشات، ليُعلن أن ثمة معجزة تحققت ما لفت أنظار المستثمرين، ورجال الأعمال، إلى صناعة السينما باعتبارها «الدجاجة التي تبيض ذهباً»، واتجه عدد منهم إلى بناء المراكز التجارية - «المولات» - متعددة الشاشات، وتأسيس شركات كبرى قدمت عروضاً استثمارية واعدة، سواء في مجال تدشين شاشات عرض جديدة أو إنتاج وتوزيع الأفلام، فيما اهتمت الدولة بسن القوانين، التي تشجع الاستثمار في صناعة السينما!
على الصعيد الأهم بدا جلياً أن السينما المصرية دخلت عصراً جديداً تخلت فيه عن النجوم المخضرمين، الذين راحت تصفهم، على استحياء، بـ «الحرس القديم»، وعمدت إلى تصعيد جيل جديد من الممثلين، على رأسهم محمد هنيدي الذي فطنت شركة «العدل جروب» إلى أنه كان السبب الحقيقي وراء النجاح المُذهل الذي حققه فيلم «إسماعيلية رايح جاي»، فما كان منها سوى أن اختارته لبطولة فيلم «صعيدي في الجامعة الأميركية» تأليف مدحت العدل وإخراج سعيد حامد، ومع عرضه التجاري في العام 1998 بدأ ما يمكن تسميته «عصر هنيدي»، حيث حقق الفيلم إيرادات اقتربت من السبعة وعشرين مليون جنيه، كما تم تدشين السينما الشبابية بالمفهوم المتعارف عليه في ما بعد، فالتجاوب الجماهيري لم يكن مقصوراً على «هنيدي» وحده، بل فطن الجمهور إلى ظهور مواهب شابة، وزهور يانعة، مثل : منى زكي، أحمد السقا، غادة عادل، هاني رمزي، طارق لطفي، أميرة فتحي وفتحي عبد الوهاب، الذي قدمه المخرج داود عبد السيد قبلها بثلاث سنوات في فيلم «سارق الفرح». فتح «إسماعيلية رايح جاي» الباب أمام جيل جديد كان ينتظر الفرصة ليقدم نفسه، وموهبته، وأعاد شرائح عدة من الجمهور لم يكن ارتياد الصالات التجارية السينمائية يمثل ركناً في أولوياتها، ولم يقتصر الأمر على ظهور وجوه جديدة في التمثيل، مثل: علاء ولي الدين، أحمد حلمي، محمد سعد، أحمد عز، أحمد مكي، منة شلبي، ياسمين عبد العزيز، كريم عبد العزيز وهند صبري .. وغيرهم، لكن تعدى الأمر ذلك إلى ظهور جيل عريض من المخرجين والمؤلفين الشباب، أبرزهم محمد أمين، الذي أبدع «فيلم ثقافي» (2000) من تأليفه وإخراجه، وشركات إنتاج تبنت هؤلاء الشباب، وتزامن هذا النشاط الإنتاجي مع تحديث واضح في تقنيات الصوت والصورة، بما استتبع ضخ دماء جديدة في مجالات: التصوير، المونتاج، الديكور والماكياج، بالإضافة إلى تحديث القاعات بنظم عرض متطورة، والاهتمام بالأطروحات التي تُرضي غرور الشباب، الذي بات يمثل الشريحة الأكبر والأهم من جمهور السينما، وتلبي احتياجاته وثقافاته، سواء من حيث الموضوعات، التي سيطرت عليها الكوميديا، أو أفلام الحركة، التي تصدرها «أحمد السقا»! في مقابل هذه الانتعاشة أصابت ما اصطلح على تسميتها «السينما الشبابية» الصناعة بضرر فادح، نتيجة طغيان السينما الكوميدية، والتراجع الملحوظ في الاهتمام بسينمات أخرى، كالرومانسية والفانتازيا والخيال العلمي، والغنائية والاستعراضية، والواقعية، وأدى تفاقم ظاهرة «السينما الكوميدية الحصرية» إلى احتجاب عدد كبير من الكتاب والمخرجين الكبار، إما لعدم تواؤمهم مع هذه السينما بالمقاييس والشروط، التي وضعها النجوم ورضخ لها المنتجون، أو لاعتبارات أخرى، على رأسها هيمنة النجوم الشباب على مقدرات الصناعة، وتحكمهم في عملية «صناعة الفيلم»، عبر اختيار المؤلف والمخرج وبقية عناصر الفيلم من الجيل الذي ينتمون إليهم، ما أدى إلى تغييب جيل الكبار، الذين رفضوا هذه «المعادلة المقلوبة»، ومع غياب الكتاب والمخرجين الكبار، ممن عرفوا بوعيهم وخلفيتهم الثقافية والتزامهم بالقواعد الفنية، تعرضت الساحة السينمائية لطوفان من الأفلام التجارية، التي خاطبت الغرائز، وتلاعبت بالمشاعر والعواطف، وبات طبيعياً أن يحتل فيلم مثل «شارع الهرم» قمة شباك التذاكر، مُحققاً إيرادات بلغت 12 مليون جنيه، وأصبحت توليفة: الراقصة والمطرب الشعبي والبلطجي هي السائدة!