«برافو»
![د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/991_1667658654.jpg)
ومثلما تقول الكاتبة المسرحية إيف آنسلر، الإعلام دائماً يكون موجوداً وقت البهرجة، وقت الانفجارات اللامعة، ولكن ما إن تسكت القنابل وتبدأ الحرب الحقيقية حتى يختفي هذا الإعلام ومعه اهتمام الناس. هكذا هي الحال دائماً، الضوء اليوم مسلط على قضية البدون، الكل، تقريباً، كشف صدره وضربه ضربتين، حالفاً أيمان الأيمان إن القضية ستحل وإلا. ثم تمر الأيام، يخفت وهج النار، ينسى الناس أو يملون، يضرب أصحاب الصدور المكشوفة خُمُرهم على جيوبهم، وتسكن الدنيا. لكن الحرب الحقيقية في حياة البدون لا تسكن أبداً، بل هي تبدأ فعلياً حين نغادر نحن باهتمامنا المنمق وكلماتنا المطاطية ووجوهنا المتلبسة ألف قناع. غير مهم، المهم أن كلاً منا قال الكلمتين اللتين قدره الله عليهما، فدعا على الظالم، وطلب الصبر لأم الشاب، وذم في الحكومة وإجراءاتها، قبل أن يتجه للوافدين ليخبرهم كم هم حشريون ومدسوسون دساً بيننا.لكن المثير ليس الحديث، المثير دوماً هو الصمت، فالصمت من ذهب فعلاً. نحن نزوبع ونجعجع، والجماعة صامتون، ينتظرون مرور العاصفة، ينحنون أمامها لتمر بأعاصيرها، ثم يرفعون القامة مرة أخرى ويكملون المسير. أتأمل هذا التكتيك العنصري، نيابيا وحكوميا، ممن تقول لهم دخيلة نفوسهم "دفعة مردي" عن الشاب المحروق، ممن يتمنون محارق جماعية تخلصهم من القضية وأصحابها، فأسرّ لنفسي أنْ يا له من تكتيك صعب، يا له من صمت جبار، قادرون أنتم على مسك ألسنتكم فلا تتبجحون ولا تترحمون، فقط تسكتون راجين ذاكرة الناس الضعيفة ونفسهم القصير تجاه القضايا الإنسانية، لتقفوا بعد الزوبعة، تنفضون أثوابكم وتصففون شعوركم ثم تتحدثون عن النسيج الاجتماعي وأصالة المنبت، والمعجز في الموضوع أن الناس ستلتف حولكم وتصفق لكم من جديد. إنتوا حاسبينها عدل، "برافو".