تجاوز أكراد العراق خلافاتهم الداخلية، وتحدوا التحذيرات الدولية، والتهديدات الإقليمية، واندفعوا إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الاستفتاء على الانفصال عن العراق وتأسيس دولة مستقلة، في خطوة، قال البعض إنها جاءت في توقيت خطير، وقد تجر العراق إلى أزمة عميقة، تمتد شظاياها إلى 3 دول أخرى، تعيش فيها مكونات كردية كبيرة، هي إيران وتركيا وسورية. ويبدو أن «لغة التهديد» الصادرة عن بغداد والجارين الكبيرين تركيا وإيران، والصمت الدولي الذي خيم أمس على المواقف، قد ساهما في دفع القوى الكردية إلى تجاوز انقساماتها، والتماشي مع موجة حماس شعبي لا تخفى، وتكلل ذلك بمرور يوم الاستفتاء بسلام تقريباً حتى في المناطق المختلطة قومياً.
وقالت مفوضية الانتخابات الكردية، إنها اضطرت إلى تمديد مهلة الاقتراع بسبب المشاركة الكثيفة، متحدثة عن مشاركة 74 في المئة من الناخبين من أصل 5 ملايين دُعوا إلى الاقتراع أغلبيتهم من الأكراد، إلى جانب أقليات إثنية وعرقية ومذهبية ودينية تعيش في إقليم كردستان العراق ومناطق متنازع عليها، تسيطر عليها قوات البيشمركة الكردية. وفي حين أعلنت السلطات الكردية حظر تجول في كركوك المتنازع عليها بين الأكراد والعرب والتركمان، والتي تعد أكثر نقطة ملتهبة بسبب غناها بالنفط، حرص «الحشد الشعبي» الشيعي، الذي وجهت قياداته سابقاً تهديدات للأكراد، على نفي حدوث اشتباكات مع البيشمركة، بينما صوت البرلمان العراقي على حزمة إجراءات عقابية، أخطرها إلزام الحكومة بنشر الجيش في المناطق المتنازع عليها، والتي تسيطر عليها عملياً البيشمركة. ومن بين الإجراءات أيضاً، غلق المنافذ الحدودية مع الإقليم من جميع الاتجاهات، وإعادة حقول النفط الشمالية في كركوك والمناطق المتنازع عليها إلى إشراف وسيطرة وزارة النفط الاتحادية، ومنع سيطرة أي قوة أمنية تابعة للأحزاب الكردية عليها، كما لوحت مصادر عراقية بعقاب الموظفين الذين شاركوا في تنظيم الاستفتاء.
إلا أن الأكراد يقولون إنهم «يدركون ما يفعلون»، فعلى الأقل لم تجرب أحزاب الحكومة الحالية في بغداد التعامل مع تمرد كردي، لا سياسياً ولا عسكرياً، ولذلك قد تبقى معظم عقوباتها «حبراً على ورق».وهناك حذر شديد، رغم الانفعال الكلامي لدى الأحزاب الشيعية، من التورط في نزاع مسلح مع الحليف الكردي التاريخي وسط الحرب مع «داعش».على المستوى الإقليمي، أعلنت بغداد مناورات عسكرية نادرة، وغير مسبوقة، مع الجانب التركي، في حين هدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه سيغلق قريباً الحدود البرية مع هذه المنطقة، وبوقف صادراتها النفطية عبر تركيا، ولوح وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو بعمل عسكري في حال تعرضت الأقلية التركمانية العراقية لأي تهديد.وأجرى إردوغان اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي امتنعت بلاده، ربما لحسابات داخلية متعلقة بمنطقة القرم التي أعلنت ضمها، عن إعلان رفضها للاستفتاء الكردي، واكتتفت بإعلان دعمها لوحدة العراق. كما أجرى بوتين اتصالاً هاتفياً بالرئيس الإيراني حسن روحاني تطرق إلى الاستفتاء. وكانت طهران أعلنت إغلاق حدودها البرية مع كردستان العراق، لكنها عادت وتراجعت، وذلك عشية إعلانها إقفال مجالها الجوي أمام الإقليم. وفي سورية، أعلنت الحكومة الموالية للرئيس بشار الأسد رفضها للاستفتاء، وذلك بعد أيام من إجراء أكراد سورية انتخابات في فدراليتهم التي أعلنوها من جانب واحد.
علاوي يقترح مبادرة إنقاذية والصدر يتشدد والمالكي يزايد
انعكست حالة التوتر، التي سببها الاستفتاء الكردي، على المواقف السياسية للشخصيات العراقية السياسية من الصف الأول، التي تراوحت مواقفها بين محاولات التهدئة والتصلب والتشدد والمزايدة، في حين يحاول السياسيون جذب ناخبيهم قبل أشهر من انتخابات تشريعية مهمة يتوقع أن تحل فيما العراق قد تحرر كاملاً من تنظيم «داعش». في السياق، أعلن نائب رئيس الجمهورية أياد علاوي، أمس، طرح مبادرة وطنية لمعالجة الأزمة تبدأ بـ»تجميد نتائج الاستفتاء خلال مرحلة انتقالية بناءة، يجري فيها حوار وطني مسؤول وبنّاء لمعالجة كل أوجه الخلاف، ويؤدي إلى تحقيق العراق الاتحادي الديمقراطي الموحد».علاوي دعا في مؤتمر صحافي عقده ببغداد، قوى التحالف الوطني (الشيعي) الحاكم والأكراد الى وقف لغة التصعيد، مشدداً على أنه «لا مواجهة مسلحة إلا مع الإرهاب»، وعلى ضرورة حياد المؤسسة العسكرية.في المقابل، اعتمد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، المحسوب على الوسطيين الشيعة، خطاباً أكثر تشدداً، معتبراً أن الاستفتاء هو لي ذراع للعراق، وأن على الحكومة فرض سيطرتها على المنافذ الجوية والبرية وحماية الحدود وجعل القوات الأمنية في حالة تأهب.من ناحيته، وصف نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، أمس، استفتاء كردستان بـ»إعلان حرب»، داعياً الحكومة ودول الجوار إلى مقاطعة شاملة مع من أسماهم «دعاة الاستفتاء»، مشدداً على إفشال «المخطط المدعوم من إسرائيل».