خارج السرب: هات البنزين يا ولد
من أراد إصدار حكم عادل على تهمة ردة فعل بدونية فعليه أولاً وبكل بساطة تخيل حاله لو كان في ظروفهم ذاتها، أو كما يقال بالعامية «حط نفسك مكانه»، الحكم على الشيء فرع من تصوره، هكذا هي الحال دوما لمن أراد للإنصاف سبيلا.
![فالح بن حجري](https://www.aljarida.com/uploads/authors/613_1685039147.jpg)
عزيزنا قاضي الفضاوة المحترم: تخيل أن يقترن والداك من دون عقد زواج لأن الزواج في فقه واقع مستنداتنا يحتاج إيجابا وقبولا وشهودا ولبن العصفور المبستر! وتخيل أن تتخرج من جامعة رحم أمك بدون شهادة ميلاد رغم أنك اجتزت كغيرك كل مناهج الخلق بوصفك مخلوقا بشريا! وتخيل أن يسكن ولاؤك لوطنك قلبك، ويماطلك لسنوات وسنوات بإيجار الهوية المعتاد، تخيل أن تتفوق طوال سنين دراستك وبامتياز لتنفق مسيرتك العلمية تالياً عطشاً وهي تتميز من الغيظ أمام أسوار الجامعة! تخيل أن ترى سنوات عمرك يغطي "شعورها" الشيب وأنت ما زلت شاباً بمقتبل العمر يكسو شعرك السواد، وتخيل أن تتطفل عليك عواصف الهموم وأنت مجرد طفل تلهو بحدائق البراءة! تخيل أن تصبح معيشتك منبوذة بالعراء لا يسترها سقف راتب ولا يظلل متطلبات أسرتك حائط دينار ودرهم ليحملها من هاجرة الغلاء، وتخيل أن تتراجف أحلام أطفالك وتصطك أسنان آمالها عند هبوب رياح زمهرير الحاجة، ولا يسترها آنذاك سوى قطع ممزقة لثواب خيري يأتي من هنا وهناك! تخيل كل هذا وستعرف أن حكمك المسبق كان "تصريحاً" من خيال فهوى، فأنا تخيلت قبلك وأيقنت بعدها أن العقل هنا "مشروب فنجاله" عندها صرخت بأعلى صوتي: هات دلة البنزين يا ولد!