خارج السرب: هات البنزين يا ولد
من أراد إصدار حكم عادل على تهمة ردة فعل بدونية فعليه أولاً وبكل بساطة تخيل حاله لو كان في ظروفهم ذاتها، أو كما يقال بالعامية «حط نفسك مكانه»، الحكم على الشيء فرع من تصوره، هكذا هي الحال دوما لمن أراد للإنصاف سبيلا.
خلال متابعتي لحادثة حرق الشاب البدون لجسده تجسدت أمامي مقولة "الفاضي يعمل قاضي" بأبهى صورها! ولا غرابة في هذا، فأي فاضٍ منا من هموم البدون- وكلنا بالمناسبة تنطبق عليه الشروط والمواصفات- يحق له صعود منصة القضاء والضرب بمطرقته لتهشيم كل ردة فعل للبدون أمام واقعهم المزري، هنا طبعاً سيكون وضعنا هو "العاذل" المناسب بـ"العذل" غير المناسب؛ لأن الذي يده بالماء ليس كمن يده في النار. ومن أراد إصدار حكم عادل على تهمة ردة فعل بدونية فعليه أولاً وبكل بساطة تخيل حاله لو كان في ظروفهم ذاتها، أو كما يقال بالعامية "حط نفسك مكانه"، الحكم على الشيء فرع من تصوره، هكذا هي الحال دوما لمن أراد للإنصاف سبيلا، فتصور الأمر من زاوية البدون الحياتية الحادة أفضل من تخيله وفق زاويتنا القائمة على تصورات مسبقة وركيكة لم ينزل الإنصاف ولا العدالة بها من سلطان.
عزيزنا قاضي الفضاوة المحترم: تخيل أن يقترن والداك من دون عقد زواج لأن الزواج في فقه واقع مستنداتنا يحتاج إيجابا وقبولا وشهودا ولبن العصفور المبستر! وتخيل أن تتخرج من جامعة رحم أمك بدون شهادة ميلاد رغم أنك اجتزت كغيرك كل مناهج الخلق بوصفك مخلوقا بشريا! وتخيل أن يسكن ولاؤك لوطنك قلبك، ويماطلك لسنوات وسنوات بإيجار الهوية المعتاد، تخيل أن تتفوق طوال سنين دراستك وبامتياز لتنفق مسيرتك العلمية تالياً عطشاً وهي تتميز من الغيظ أمام أسوار الجامعة! تخيل أن ترى سنوات عمرك يغطي "شعورها" الشيب وأنت ما زلت شاباً بمقتبل العمر يكسو شعرك السواد، وتخيل أن تتطفل عليك عواصف الهموم وأنت مجرد طفل تلهو بحدائق البراءة! تخيل أن تصبح معيشتك منبوذة بالعراء لا يسترها سقف راتب ولا يظلل متطلبات أسرتك حائط دينار ودرهم ليحملها من هاجرة الغلاء، وتخيل أن تتراجف أحلام أطفالك وتصطك أسنان آمالها عند هبوب رياح زمهرير الحاجة، ولا يسترها آنذاك سوى قطع ممزقة لثواب خيري يأتي من هنا وهناك! تخيل كل هذا وستعرف أن حكمك المسبق كان "تصريحاً" من خيال فهوى، فأنا تخيلت قبلك وأيقنت بعدها أن العقل هنا "مشروب فنجاله" عندها صرخت بأعلى صوتي: هات دلة البنزين يا ولد!