انتحار «البدون»
الوعود التي يطلقها أعضاء المجالس المتعاقبة جميعها تذهب أدراج الرياح، والسبب هو ضعف تركيبة المجلس نتيجة للخلل الواضح في الأنظمة الانتخابية وزاده اعوجاجاً النظام الانتخابي الحالي، لذلك يصل إلى المجلس أعضاء لا يفقهون شيئاً في العمل السياسي، ولم يمارسوه في حياتهم قط.
![د. بدر الديحاني](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1472378832591788600/1472378876000/1280x960.jpg)
وثالثها هو عدم قدرة مجلس الأمة كمؤسسة دستورية على معالجة المشاكل العامة التي تواجه المجتمع ومن ضمنها قضية "البدون"، فالوعود التي يطلقها أعضاء المجالس المتعاقبة لا هذا المجلس فقط، جميعها تذهب أدراج الرياح والسبب هو ضعف تركيبة المجلس نتيجة للخلل الواضح في الأنظمة الانتخابية وزاده اعوجاجاً النظام الانتخابي الحالي، لذلك يصل إلى المجلس أعضاء لا يفقهون شيئاً في العمل السياسي، ولم يمارسوه قط في حياتهم، ناهيك عن أنهم يصلون كأفراد لا يستطيعون تنفيذ أي برنامج انتخابي، وذلك في ظل غياب نظام القوائم النسبية، ومعظمهم لا يمثلون قواعد انتخابية قوية تحسب حسابها الحكومة (بعض الأعضاء لا يمثلون سوى 1% من عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية). أضف إلى ذلك عدم تنظيم العمل السياسي بحيث تكون هناك أحزاب سياسية تقام على أسس مدنية ديمقراطية، وتكون لها برامج سياسية واجتماعية واقتصادية مُعلنة، ومن ضمنها كيفية معالجة قضية "البدون" بحيث يتابع أعضاؤها، باعتبارهم قائمة انتخابية لها ثقلها السياسي والتصويتي، عملية تنفيذها في حال وصولهم إلى مجلس الأمة. والمؤسف أن هناك تكسبا انتخابيا وسياسيا صارخا من قضية "البدون"، يمكن ملاحظته بسهولة عند متابعة تصريحات مرشحي المجلس وأعضائه عندما تثار القضية، مثلما حصل مؤخراً عندما أقدم الشاب على حرق نفسه، فكل منهم يقول "الزود عندي"! على الرغم من أن ذلك مجرد "جعجعة من دون طحن" كما يقول المثل. والأمر الرابع الذي فضحته مأساة الشاب "البدون"، هو ضعف منظمات المجتمع المدني بالذات التي لها علاقة بقضايا حقوق الإنسان، فتحركها يأتي كردة فعل قد لا تتعدى، في أغلب الأحيان، مجرد تصريح أو إصدار بيان صحافي. أما بعد، فالمأساة الإنسانية لفئة "البدون" ما زالت مستمرة (الحديث الآن عن الجيل الخامس وربما السادس)، وذلك على الرغم من التصريحات الصحافية والوعود الكثيرة التي تطلقها الحكومات المتعاقبة وأعضاء مجالس الأمة والتي تُبشّر في كل مرّة بقرب انتهائها، فمعالجتها تتطلب وجود سياسة عامة واضحة ومُعلنة تقوم على أساس أنها قضية إنسانية بالدرجة الأولى، ثم اتخاذ قرارات جريئة وسريعة تضع حداً لمعاناتهم اليومية وظروفهم المعيشية القاسية.