"ليس للأكراد أصدقاء إلا الجبال" مثل كردي.

وها هي كل دول الجوار، وغير الجوار، تتخذ مواقف ضد استفتاء استقلال كردستان العراق، وعلى الأخص تركيا وإيران والعراق، وهي مواقف مفهومة، كون غالبية الكرد يعيشون في تركيا وإيران، وحالما تستقل كردستان العراق، فالعدوى ستنتقل لأكرادهم، ولن تنفع حينها مضادات حيوية أو غيرها. لا توجد دولة أيَّدت علناً، إلا إسرائيل، مع أن لديها شعباً فلسطينياً واضح المعالم يستحق حق تقرير المصير. إنه تهافت السياسة وتناقضها.

Ad

نتائج الاستفتاء المؤيدة لاستقلال كردستان العراق كانت متوقعة، رغم المعارضة ضد حكومة الإقليم، واتهامها بالفساد، وانتهاء مدة الرئيس منذ سنتين، وعدم عقد البرلمان جلساته أيضاً منذ سنتين.

بالنسبة للعراق، هناك إشكاليات في التفاصيل، عوضاً عن المبدأ، مثل شمول الاستفتاء لكركوك، المتنازع عليها. الولايات المتحدة هي الدولة الأهم في تخفيف نتائج الاستفتاء، كونها تتمتع بعلاقات حميمة مع بغداد وإربيل، وربما التعامل معه كاستطلاع رأي، معلنة أن الاستفتاء غير مُلزم، ويبدو أنها سائرة في هذا الاتجاه، فقد أعلنت إحباطها من الاستفتاء، وأنه لابد من الاستقرار عبر نظام ديمقراطي فيدرالي.

فكرة الاستقلال عبر الاستفتاء فرضت نفسها كواقع دولي جديد خلال العقود الثلاثة الماضية، في الغرب أكثر منه في الشرق، كما جرى في اسكتلندا قبل سنتين، والمشكلة الدائرة الآن في كتالونيا إسبانيا وغيرها. توجد في أوروبا وحدها أكثر من 27 أقلية تطالب بالاستقلال، وتضمهم منظمة الشعوب الأوروبية، ومقرها بروكسل.

وحيث إن هذا يحدث في الغرب، فقد صار علينا أن نجد تفسيراً آخر غير نظرية المؤامرة في تفسير الأحداث، فإن كان الغرب هو الذي يتآمر علينا لتفتيتنا، فمن يا تُرى يتآمر على الغرب لتفتيته وتجزئته؟! وإذا كان يُطلق على حقبة الخمسينيات والستينيات حقبة التحرر ضد الاستعمار، فإن حقبة الثمانينيات والتسعينيات من الممكن أن يُطلق عليها حقبة الانفصالات السلمية، أو شبه السلمية.

القائمون على الاستفتاء في كردستان العراق يدركون صعوبة الاستقلال، لكنهم يريدون تثبيت مشروعية مطالبهم، وتحقيق مكاسب سياسية على الأرض، حتى في مواجهة المعارضة الكردية لرئيس الإقليم. منذ 2003 وإقليم كردستان العراق يتمتع بحكم ذاتي غير مسبوق في تاريخ المحاولات الكردية للاستقلال، حيث لهم أمنهم الخاص، ويسيطرون على الحدود البرية مع الجوار، وصار لهم برلمانهم المنتخب، وعلاقتهم مع الحكومة المركزية ليست على أحسن حال.

لذا، كان التوجه نحو الاستقلال متوقعاً، أخذاً بالاعتبار إشكالية التوقيت، دون الرضا بالصيغة الفيدرالية، وهي الصيغة التي صارت مقبولة في منطقتنا، حيث دخلت الدساتير، كالدستور الصومالي 2014 والدستور العراقي، وكذلك يتم طرحها كمخارج للحالة السورية، والحالة اليمنية، وحتى الحالة الليبية.

كان السؤال المطروح، هو: ماذا بعد "داعش"؟ وها نحن حتى قبل أن يتبخر "داعش"، يبرز لنا سؤال جديد، ربما أشد وطأة وأكثر تعقيداً، وأقل طائفية، من الوضع في سورية أو اليمن، سؤال يطرح إعادة ترسيم حدود المنطقة، وهو: ماذا بعد استفتاء استقلال كردستان العراق؟ مع أن نتائج الاستفتاء ليست خطة تنفيذية، لكن قراءة في ردود الفعل الأولية، وبالذات من دول الجوار، فإننا أمام احتمالين؛ الأول أن تدخل المنطقة في أتون حرب جديدة، بشكليها؛ الساخن أو البارد، أو المضي قدماً في المباحثات، للتخفيف من نتائج الاستفتاء إلى أجل غير معلوم.