ثمة خلط هو على الأرجح غير متعمد لدى المهتمين بالشأن الاقتصادي، وأحيانا عند متخذي القرار، بين التصنيف الائتماني للدول وكفاءة الاقتصاد فيها.

فالتصنيف الائتماني للدول يكون على الأغلب وقتياً، وتتم مراجعته دورياً، بعضها ربعي أو نصفي أو سنوي أو حتى عند ظهور تطورات جيوسياسية واقتصادية طارئة، وهو موجه بالدرجة الأولى للجهات التي تمنح الائتمان أو القروض، وتهتم به، بعد الدائنين، الجهات التي تنوي الاستثمار المحلي وعلى الأكثر الأجنبي في أي دولة، ويصاحبه في العادة ما يعرف بالنظرة المستقبلة، وهو يعكس تقييم مؤسسة التصنيف حول الوضع الممنوح للدولة في المدى المتوسط إلى 3 سنوات، ويأخذ واحدة من 3 صور: "إيجابي"، بمعنى التفاؤل بمستقبل الأداء الحكومي أو احتمالية رفع التصنيف، أو "سلبي"، هو الذي يعبر عن العكس أي التشاؤم من أداء الحكومة وارتفاع احتمالية تراجع التصنيف في المستقبل، والأخير وهو "مستقر"، وغالباً ما يعكس ثقة المؤسسة باستمرار التصنيف الحالي للدولة وثباته.

Ad

الكفاءة أشمل

أما كفاءة الاقتصاد فهي مفهوم أشمل بكثير من التصنيف الائتماني، إذ تتجاوز مخاطبة الدائنين والمستثمرين إلى قياس أداء الدولة الاقتصادي، ففي وضع دولة مثل الكويت تبدو اختلالاتها المالية والاقتصادية واضحة بوضوح ضخامة ثرواتها السيادية والطبيعية التي تحدث عنها تقرير "موديز" للتصنيف الائتماني الأسبوع الماضي.

فمعظم التصنيفات الائتمانية من مؤسسات (موديز- فيتش- ستاندرد آند بورز) الصادرة في السنوات الثلاث الأخيرة تتحدث عن ضخامة الثروة الطبيعية من النفط والغاز، التي عبرت "موديز" صراحة عن أنها تصل إلى 88 عاماً، وفقاً لقواعد وأحجام الإنتاج الحالية إلى جانب الحجم العالي من الثروة السيادية، الذي قدرته "موديز" في نفس التقرير تحت إدارة الهيئة العامة للاستثمار بـ612 مليار دولار، لكنها لا تتطرق أو تمر بشكل بسيط بالاختلالات الأساسية في الاقتصاد المحلي من جهة طغيان إيرادات النفط مقارنة بإجمالي الإيرادات العامة بنسب تتجاوز 90 في المئة سنوياً، أو اختلال التركيبة السكانية من حيث العدد والكفاءة بأكثر من ثلثي السكان لمصلحة الوافدين، أو سوق العمل أو فشل تقديم نماذج الخصخصة، فضلا عن طغيان الإنفاق العام بشكله الجاري على الاستثماري، بل وانحراف الاستثماري نفسه عن خلق الفرص في الاقتصاد من عوائد ضريبية وتوظيف ومنافسة وتكنولوجيا.

تحديات النفط

وبالاطلاع على تقرير "موديز"، الذي صدر الأسبوع الماضي، فإن عوامل ارتكاز القوة التصنيفية لدولة الكويت مثل عمر الثروة الطبيعية وضخامة الأصول السيادية لا يمكن أن تكون دليلاً على كفاءة الاقتصاد، فالقلق اليوم على الثروة الطبيعية من نفط وغاز لا يتعلق بالنضوب ولا حتى باحتمال اكتشاف مصادر طاقة بديلة رغم جدية هذا الاحتمال في أكثر من دولة صناعية، بل يكمن القلق الحقيقي في تراجع جاذبية النفط عالمياً من نحو 3 سنوات لأسباب متنوعة، أبرزها تباطؤ النمو الاقتصادي، وخصوصا في دول الاستهلاك العالي مثل الصين وبقية شرق آسيا، إلى جانب وفرة المعروض في الأسواق العالمية، وتقدم التكنولوجيا التي تدعم إنتاج النفط الصخري، مما يشكل تحدياً طويل المدى على الدول الأكثر اعتماداً على الإيرادات النفطية في مصروفاتها ومنها الكويت.

تعويل على الأصول

أما التعويل على حجم الأصول السيادية للكويت الذي قدرته "موديز" دون تأكيد رسمي بـ612 مليار دولار كحجم موجودات أجنبية تحت إدارة الهيئة العامة للاستثمار، فإن هذا المبلغ رغم ضخامته بما يشكل 550 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإنه يصطدم بتحديات مستقلبية أبرزها تنامي الإنفاق العام خلال 15 سنة مقبلة، مع توقع الدولة دخول ما يوازي 450 ألف شخص سوق العمل، إلى جانب ارتفاع الإنفاق على الخدمات والبنية التحتية، فضلا عن توجه الدولة إلى سوق الديون لسداد تكلفة الإنفاق الجاري، لا لخلق فرص استثمارية مع عدم وجود خطة حقيقية لإيجاد اقتصاد مساند يغطي أي آثار سلبية من تقلبات سوق النفط المفترضة في السنوات المقبلة.

ولعل ما يرتبط بسوق الديون بلا خطة اقتصادية يمكن أن يؤثر على تصنيف الكويت في المستقبل، إذ إن التصنيف الائتماني موجه بالدرجة الأولى للدائنين قبل غيرهم.

صورة مشوشة

أغلب تقارير مؤسسات التصنيف الدولية ترى الإصلاح الاقتصادي في الكويت والمنطقة بصورة مشوشة، وتعتمد في معظمها على الرأي الرسمي الذي سبب الاختلالات الجوهرية في الاقتصاد رغم امتيازه لنحو 15 سنة بفوائض مليارية غير مسبوقة، وتحمل المجتمع معظم الاختلالات الخاصة بالاقتصاد والمالية العامة، دون انتقاد الإدارة المكلفة هذه الملفات، فتجد مثلاً تركيزاً عالياً على الدعوة لتقليص المصروفات العامة في بندي الرواتب والدعوم، وهي مصروفات تحتاج إلى إعادة هيكلة دون شك، من غير توجيه أي ملاحظات عن الفشل في تنويع الاقتصاد أو معالجة اختلالات التركيبة السكانية أو الإنفاق الاستثماري الذي لا يوفر في الغالب عوائد اقتصادية للدولة سواء للإيرادات العامة أو لناحية توفير فرص العمل، وهنا يمكن استذكار كيف أن تقارير مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية كانت قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008 في وادٍ وعوامل الأزمة رغم ضخامتها في واد آخر.

تقارير كويتية

ولعل بعض التقارير الرسمية في الكويت أكثر مهنية، أو لنقل أكثر مباشرة ووضوحاً في تحديد مواطن الخلل، مثل تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية عام 2012 الذي حدد الاختلالات الأساسية في الاقتصاد إلى عام 2030. ومع بعض التحفظ على خطتي الإصلاح الاقتصادي والمالي والتنمية بمحدوديتها فإنهما تظلان أكثر دقة من تقارير التصنيف الائتماني الذي هو في النهاية رأي استشاري غير ملزم.

التصنيف الائتماني ورأي مؤسساته يجب أن يبقى في إطاره كتصنيف لا معيار لكفاءة الاقتصاد، ويمكن اعتباره جزءاً من الكفاءة لا دليلا عليها، والأهم هنا أن يكون التركيز على معالجة اختلالات الاقتصاد من إيرادات وسكان وسوق عمل هو المعيار في نجاح أي سياسية أو خطة.