سقوط عاشق!
عاشقٌ سار على غير هُدى...تبع أثر عطرٍ لزهرة توهمها في متناول المطر...سار خلف ذلك الأثر واقتفاه في مسيرة امتدت من بواكير الربيع إلى نهايات الخريف...
ظن أن دمه النازف من شوك الصبّار وشوك الصبر قربان للوصول إلى شذى تلك الزهرة...لم يترك العنان سوى لقلبه...توزّر شعارا ظنه يصدقه النصيحة: "اتبع قلبك"!إلا أن هذا الشعار يظل ناقصاً ومراوغاً إذا لم تُلحقه ببقيته التي تقول: "إن كان ناضجا بما يكفي"!قلبه لم يكن ناضجا بما يكفي، رغم أنه بلغ من العشق عتياً، لذا كان اتباعه خطأ شارف حد الخطيئة!قلبه لم يغادر قط مرحلة الطفولة، رفض أن يكبر برغم تجاربه الموغلة في العشق، قيل إن قلبه وُلد "طفلا منغوليا"!إلا أن هذا القلب لم يكف لحظة منذ سنوات عن العزف على أوتار عوده الشجي والغناء... "لمنيرة"،"منيرة" زهرة نزقة،زهرة بلاستيكية متقنة الصنع،لا تندى في القرب، ولكن يضوع شذاها في الغياب!لم يكن لتلك الزهرة قلب ينفح الشذى، فمن أين تأتي بفصاحة العطر؟!سؤال أقل من أن يثير الاستغراب والعجب، فتلك الزهرة صناعة خالصة لوهم عاشقٍ شدّ أطراف جوانحه بالحب، وأطراف أجنحته بالأغاني، فحاول تجسيد الماء من وهج السراب!لشدة إيمانه بما توهّم، كان يجدّل الماء في شرايين رئتي تلك الزهرة، ظنا منه أنها كباقي الزهور، حياتها في بالماء الذي يتغلغل في خلاياها، حاملا مباهجه الخضراء، ليوزعها على كل جزء فيها، وكل نبض آيلٍ للظمأ. هذا ما يفعله الماء بكل الزهور، إلا أن الماء من جهة أخرى يعجز عن اختراق جسد البلاستيك، أو أن يحرّض في أطرافه العطر، أو يخضّر في حناياه العشق. هي لم تكن سوى زهرة من البلاستيك، وهو لم يكن سوى عاشق ساقه جنونه إلى أن يظن أنه قادر على جعل البلاستيك يطرب لشدو أنغامه!نضب ماء روحه على أمل أن يورق البلاستيك،استمر بسكب الماء حتى جف، إلا أنه لم يلحظ نمو برعم، أو اخضرار غصن،يبس هو حتى تهاوى ذات ريحٍ من علٍ،تناثر على سطح صلب بارد،عاثت الريح بأوصاله شتاتاً،بقيت زهرة البلاستيك "منيرة" واقفة وشامخة كما هي أمام الريح، ساعدها على ذلك أنها لم تكن زهرة حقيقية!هل نكون زهرا حقيقيا، ومن ثم يصبح مصيرنا في قبضة ريح، أم نكون زهرا اصطناعيا بلا روح، لنكون قادرين على الوقوف بوجه الريح؟!لم تتح له مخالب الجروح وقتا للتفكير في الإجابة، بعد أن أزف وقت الاختيار!غنى ليلتها كما لم يغنِ من قبل،عزف حتى بحّت أوتار عوده،ونزف حتى بحّت أوتار صوته،تساقط شظايا من عشق، في حضن زهرة من بلاستيكآخر ما نطق به قلبه المُهان، وروته أصابعه الموهنة:تشاااااوقالها ثلاثاً، ثم ضغط مفتاح: إنتر!أخذ نفساً عميقاً من سيجارته، فرئتاه لم يعد بهما أي نفس، والتفت إليّ متوهما نصراً، وقال: هي الخاسرة!