قضى محمد خضير معظم سنوات حياته في مدينته البصرة، وجسّد صورتها في كتابه {بصرياثا} 1993، قبل أن ينتقل إلى استلهام أحلامها في آخر كتبه بعنوان {أحلام باصورا} 2016. وبين هذين الحدّين السِّيرييْن جاء معظم كتبه. وكتابه الأخير {ما يُمسك وما لا يُمسك}، هو ثالث الركائز السِّيرية التي تقوم عليها غالبية قصصه القصيرة. 

حول كتابه يقول محمد خضيّر: {كتبتُ، مع نفسي، سيرةً لحياتي، لم تتعدَّ ألفَ كلمة، عنونتُها {الرؤيا الخضراء} (يتضمّنها هذا الكتاب) ولطالما تصوّرتُ حياتي وحياةَ نصوصي مقاطعَ من رؤيا مشتركة مع سكّان بلادي، عمّالها وفلّاحيها وكَسَبَتِها ومثقّفيها، مزارعها ومصانعها وأسواقها ومدارسها، وكانت هذه المقاطع تنبثق في صيغة رؤيا، لا أمسِكُ إلا بجزءٍ منها.. فمَنْ ذا يستطيع أن يُلِمَّ بسعة هذه البلاد، وحياة مواطنيها الموزَّعين على مساحة آلاف الكيلومترات، وهم ينغمرون بأعمالهم ومشاغلهم وحروبهم ليل نهار؟}.

Ad

إذاً، في هذا الكتاب يرمي محمد خضيّر، السارد البارع، كلّ شيء بين أيدينا، وسنشعر بوزن وحجم هذا {الكلّ شيء}، ولكن هل سنتمكن من إمساكه؟ 

من الكتاب:

... {كان العام 1942 إطلالتي الأولى على خريف الرؤى، رؤى الحرب والهجرة والتدجين، بداية جَدلَتْ حبلَ البقاء والفناء حول أعناق أقراني من العراقيين، ووشمتْ ذاكرتهم التاريخية بوشم المدن التي يسير في دروبها شبحُ الموت منذ مئات السنين: هذا المستوطنُ الأبدي الأليف الذي يستطعم {هريس} الأعياد، ويحمل المواليدَ على كتفيه، ويندسّ في أسرّة النساء الوحيدات، ويُلهِم القصّاصين كتبَهم النذرية. وهو مستوطنُ البصرة منذ أن وصفَها الجاحظ بأنّها {حوض الهند} تختلط على ضفافه أجناسُ الأقوام المهاجرة، وتتلاطم فيه ألسنتُهم، وتَدخله جراثيمُ العالم، وتَحمل إليه سفنُ الشّرق والغرب أنواعَ الاختراعات الجديدة، مع طلائع كلّ غزوٍ واحتلال. أحِسُّ اليوم أنني من {جيل الرؤيا} الذي بذَرَتْ بذورَ الوعي المبكر في كيانهِ السفنُ الشراعية، ولقّحتْه الرياحُ الشرقية بلقاح الخصب والتمرد في مناخ واحد مع البعوض وديدان البلهارسيا والإسكارس، وعلّمه سحرةُ الليل صنعةَ الكلام العجيب والإنصاتَ العميق والحوارَ الصامت والتخيّلَ اللامحدود. كان قدَر هذا الجيل المنذور أن ينبعث من رماد {التنانير} ويستولِد مصيراً جديداً للكلمات}.

نبذة

ولد في البصرة بالعراق عام 1942. كتب أولى قصصه مستوحياً عالم الأهوار، وصدرت مجموعته الأولى «المملكة السوداء» عام 1972، التي شكلت علامة انعطاف في أدب الجيل الستيني الذي وعى حساسيات ما بعد ثورة 14 يوليو 1958 وانهيار جمهوريتها الأولى وعكسها في نصوصه السردية.

صدرت له: «بصرياثا (1993)، وأحلام باصورا (2016)، وفي درجة 45 مئوي (1978)، ورؤيا خريف (1995)، وكراسة كانون (2001)، وحدائق الوجوه» (2009). 

نال جائزة العويس على مجمل أعماله السردية عام 2004، وترجمت قصصه إلى لغات عدة.