ترامب ومشكلة روسيا الكبرى

نشر في 28-09-2017
آخر تحديث 28-09-2017 | 00:07
انتخابات روسيا في عام 2018 تمثل فرصة مهمة لترامب لإثبات أن القيم الأميركية ليست موضوعا للتفاوض، فلن تتدنى الولايات المتحدة إلى مستوى بوتين وتتدخل سرا في العمليات الانتخابية الروسية، ولكن ينبغي لها أن تناصر الديمقراطية وحقوق الإنسان.
 بروجيكت سنديكيت قبل فترة وجيزة من توليه مهام منصبه جلس الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى "تويتر" لاستعراض رؤيته لعلاقات بلاده مع روسيا، فأعلن في واحدة من تغريداته: "إن إقامة علاقة جيدة مع روسيا أمر طيب وليس سيئا"، وفي تغريدة أخرى أعلن ترامب: "عندما أتولى الرئاسة ربما تعمل روسيا مع الولايات المتحدة لحل بعض المشاكل والقضايا الكبرى العديدة والملحة في العالم!".

بطبيعة الحال ليس من الخطأ أن يحاول ترامب تحسين العلاقات مع روسيا، (سعى العديد من رؤساء الولايات المتحدة السابقين إلى تحقيق الهدف نفسه)، ولكن يتعين عليه أن يدرك أن تحقيق هذا الهدف لا يبرر خيانة الناشطين المؤيدين للديمقراطية في روسيا.

ألغى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فعليا المعارضة الشعبية في روسيا، ففي عام 2012، وبعد عودة بوتين إلى الرئاسة مباشرة، أقر مجلس الدوما ما يسمى قانون العملاء الأجانب، الذي ركز على إخراس المنظمات التي تتلقى التمويل من الخارج وتنخرط في أي شيء يمكن اعتباره "نشاطا سياسيا".

منذ ذلك الحين، أعلنت الحكومة الروسية من جانب واحد إدراج 88 منظمة تحت بند "العملاء الأجانب"، وهو المصطلح الذي يجعل مثل هذه المنظمات تبدو وكأنها تعمل بالجاسوسية. وتتضمن القائمة مجموعة محترمة من مراقبي الانتخابات، وناشطين في مجال حقوق الإنسان، ومنظمات استطلاع الرأي، بل حتى بعض مجموعات البحث العلمي. وتتباين مجالات اهتمام هذه المنظمات، ولكن رسالة الحكومة إليها وغيرها واضحة: إذا انتقدتم الكرملين فسنخرسكم.

اتخذت الحكومة الروسية خطوات أخرى عديدة لقمع المعارضة خلال السنوات الخمس الأخيرة، بما في ذلك اعتبار العديد من المنظمات الدولية التي دعمت الناشطين الديمقراطيين غير مرغوبة وتجريم اشتراك المواطنين الروس معها في أعمالها. كما عملت على توسيع سلطة الأجهزة الأمنية لتعقب أنشطة المواطنين على الإنترنت وتحجيم حقهم في حرية التعبير، في حين كثفت التمييز ضد الأفراد من المثليين والمثليات وذوي الميول الجنسية المزدوجة ومغايري الهوية الجنسية والمتحولين جنسيا واضطهدت الجماعات الدينية، وكان منتقدو الكرملين يعتقلون أو حتى يُغتالون. من الواضح أن مثل هذه الأنشطة لم تزعج ترامب، فحتى بعد احتجاز الآلاف من المحتجين المناهضين للفساد في أكثر من 100 مدينة في مختلف أنحاء روسيا في مارس، اكتفت إدارة ترامب بإصدار بيان فاتر، وفي زيارته إلى موسكو في الشهر التالي، عكس وزير الخارجية الأميركي ركس تيلرسون هذا النهج، متجنبا تقليد وزارة الخارجية الأميركية المتمثل في الاجتماع علنا مع نشطاء المجتمع المدني، على الرغم من استحثاث الكونغرس الأميركي له على القيام بذلك.

يبدو أن ترامب وتيلرسون على استعداد كامل لتجاهل ممارسات الكرملين القمعية ضد معارضيه- ناهيك عن تدخله في انتخابات أميركا الديمقراطية، والذي تظهر أدلة جديدة تؤكده على نحو يومي تقريبا- إذا كان ذلك يعني تجنب محادثات غير مريحة مع بوتين، ومن الواضح أنهما يعتقدان أن هذه النهج أسفر عن نتائج، أبرزها وقف إطلاق النار الهش في سورية والذي توسطت الولايات المتحدة وروسيا للتوصل إليه في يوليو.

لكن روسيا قبلت هذا الاتفاق من منطلق المصلحة الذاتية لا بسبب مذلة إدارة ترامب، والواقع أن المصالح الأميركية هي التي يجري تقويضها بفِعل تصميم إدارة ترامب على الامتناع عن استفزاز الدب الروسي.

أيا كان "الفوز" الذي قد يتمكن ترامب من تأمينه في الأمد القريب باسترضاء روسيا، فإنه لا يعني الكثير مقارنة بمصلحة أميركا الأبعد أمدا في حياة البشر وحريتهم والمساواة بينهم جميعا، فضلا عن مصلحتها في حماية الحكم الذاتي. هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تشارك أو تتعاون مع الحكومات التي تعمل استنادا إلى مبادئ مختلفة، ولكن ينبغي لنا أن نكون واضحين بشأن ما لا يجوز لنا أن نتقبله، بدءا بسحق المعارضة السياسية.

إن التمسك بمبادئ أميركا الأساسية ليس التصرف الصحيح فحسب؛ بل يشكل أيضا استراتيجية ذكية، فقد تبدو سلطة بوتين وكأنها لا تتزعزع، ولكنها في واقع الأمر مدعومة بالدعاية والخوف، وعندما تخون الولايات المتحدة قيمها لتجنب تحدي روسيا، فإنها بذلك تقوي قبضة بوتين على السلطة إلى حد كبير. ومن المؤكد من ناحية أخرى أن تصور بوتين أنه يمسك بخيوط الولايات المتحدة يعينه على الاستمرار في إخراس خصومه.

في الفترة التحضيرية للانتخابات الرئاسية في العام المقبل، لن يتردد بوتين في استغلال الفرص التي يمنحه الزعماء الأجانب إياها، وبالفعل عمل بوتين على ضمان إدانة زعيم المعارضة أليكسي نافالني بتهمة الاختلاس، مما أعطى الحكومة ذريعة لمنعه من المشاركة في الانتخابات.

بيد أن نافالني، الذي تحمل بالفعل سنوات من الضغوط من قِبَل الكرملين، لن يستسلم بسهولة؛ ولن يستسلم أيضا نشطاء المعارضة الآخرون، ففي يوم الأحد الماضي، تمكن أكثر من 200 من معارضي بوتين من الفوز بمقاعد في المجالس المحلية في انتخابات موسكو البلدية، وقد استمرت الاحتجاجات المناهضة للفساد طوال العام، كما كشف نافالني للتو عن سر جديد حول منزل بوتين الريفي بالقرب من الحدود مع فنلندا.

من المتوقع بكل تأكيد أن يفوز بوتين بولاية رابعة بسهولة، لكنه لن يقود روسيا إلى الأبد، وإلى أن يزول بوتين، يستحق الشعب الروسي بأسره المشاركة في الانتخابات الديمقراطية، ومع ذلك لم يحدث قَط أن جرى تقييم أي انتخابات عُقِدَت خلال ولاية بوتين الطويلة باعتبارها حرة أو نزيهة من قِبَل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ومن خلال تقديم الدعم الشعبي لمراقبي الانتخابات والناشطين العاملين على دعم المبادئ الديمقراطية، تستطيع إدارة ترامب أن تشد من أزر المعارضة الروسية وتقدم رؤية مختلفة لمستقبل روسيا. في الأمد القريب، قد يبدو القليل من النفاق وكأنه ثمن بسيط في مقابل انتصار سريع، بيد أن الأمر يستغرق وقتا طويلا قبل أن تخلف السياسة الخارجية الأميركية أو السرد الوطني الأميركي أثرا باقيا، وفي الأمد البعيد ستكون الولايات المتحدة في وضع أفضل كثيرا يسمح لها بالانخراط مع روسيا الديمقراطية التي تحمي حقوق الإنسان وتتسامح مع المعارضة السياسية.

الواقع أن انتخابات روسيا في عام 2018 تمثل فرصة مهمة لترامب للدفاع عن هذه النتيجة، وإثبات أن القيم الأميركية ليست موضوعا للتفاوض، فلن تتدنى الولايات المتحدة إلى مستوى بوتين وتتدخل سرا في العمليات الانتخابية الروسية، ولكن ينبغي لها أن تناصر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن تدعم أولئك الذين يتطلعون إلى بناء مجتمعات حرة، ويتعين على العالم أن يعرف أن روح الولايات المتحدة لا تزال حية.

* آن ماري سلوتر

* نينا جانكويتز

* آن ماري سلوتر رئيسة مؤسسة نيو أميركا ومديرتها التنفيذية. ونينا جانكويتز زميلة جورج ف. كينيدي في مركز ويلسون، وزميلة فورين بوليسي إنتروبتد (Foreign Policy Interrupted) لعام 2017.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

في 2012 وبعد عودة بوتين إلى الرئاسة ركز على إخراس المنظمات التي تتلقى التمويل من الخارج
back to top