عقوبات بغداد ضد الأكراد: لمن الغلبة؟
بعد القرارات المتلاحقة، التي صدرت عن بغداد بمنزلة قيود وعقوبات على إقليم كردستان العراق جزاء تنظيم استفتاء تقرير المصير، لم يعد السؤال المركزي يتعلق بمدى إمكانية الحوار أو عدمها في هذه اللحظة، خصوصاً في ظل غياب أي وساطة تذكر حتى الآن بين الطرفين، بل صار المراقبون يتساءلون: لمن الغلبة؟؛ الأكراد بتاريخ طويل من تحمل العقوبات والحرب، أم بغداد، التي ليس لدى أحزابها الحالية خبرة كافية في التعامل مع المسألة الكردية وقرن كامل من تحولاتها، أم تركيا وإيران، وهما اللتان تريدان إبقاء المنطقة الكردية تحت السيطرة، لكنهما يمتلكان مصالح كبيرة وتاريخية مع تجارتها وثرواتها وتوازناتها وامتداداتها القومية الثقافية من عمق هضبة زاغروس والأناضول حتى البحر المتوسط؟ويقول الأكراد إنهم كانوا يتوقعون بوضوح سيناريو العقوبات هذه، والتي تتعلق كبداية بمحاولة بغداد السيطرة على المطارات والمعابر الحدودية الكردية، لاسيما الصلاحيات الأمنية والجمركية كأبرز ضغط يستهدف سيادة الإقليم الكردي، الذي هو دولة الأمر الواقع منذ عام 1991، فضلاً عن إمكانية صدور أوامر قضائية بحق كبار المسؤولين الأكراد.
لكن التقديرات الشائعة في أربيل تفيد بأن العقوبات لن تستمر طويلاً، وأن طاولة الحوار ستنعقد قريباً، لأن حكومة بغداد برئاسة حيدر العبادي ليست متفرغة لحرب مفتوحة مع القومية الثانية في البلاد، وهي منهكة من حرب طويلة ومكلفة مع تنظيم «داعش»، وسط انخفاض أسعار النفط الذي صدم الاقتصاد العراقي، كما يذكر المقربون من رئيس الإقليم مسعود البارزاني أن القوى الغربية الصديقة لكردستان لن تسكت طويلاً عن حصار شامل ضدها تفرضه إيران وتركيا والعراق، رغم تحفظ البيت الأبيض على إجراءات الإقليم.وعلى الطرف الآخر، تقول المصادر السياسية في بغداد، إن العبادي لا يمكنه الاستسلام لخيارات رئيس الإقليم مسعود البارزاني، فلديه انتخابات الربيع المقبل، التي تفرض عليه تهدئة جمهور عربي منفعل إزاء مشروع «تقسيم العراق»، إذ يبدو أن أي تساهل منه سيكون عاملاً يفسح المجال لتقوية خصومه المتشددين الشيعة، الذين يتهمونه بمرونة أكثر من اللازم مع الشريك الكردي.ووسط شبه صمت أميركي، لا يعتقد حلفاء العبادي أن واشنطن ستمانع قيام بغداد بعمليات «ضغط محدودة، ولكن مؤثرة، لتكبح جماح الأكراد، دون أن يعني ذلك تورطاً في نزاع مسلح، بل ترتيب يتعلق بالرأي العام وإعداد أوراق رابحة واضحة تسبق أي مفاوضات مع البارزاني قد تنتج اعترافاً بصلاحيات أكبر للأكراد، ولكن مع تأجيل حلم إعلان الدولة الكردية، يجنب الطرفين العراقيين فاتورة صراع لا قبل لهما بها.ويحاول العبادي والبارزاني في الوقت نفسه، كما يبدو، استغلال ما حصل لرفع رصيدهما السياسي أمام الخصوم الداخليين قبيل الانتخابات، لكن المخاوف تتعلق بمدى قدرة الرجلين على ضبط إيقاع المناورات هذه، ومنع تحولها إلى نزاع مسلح ينفلت عقاله بسبب تداخل المساحات واختلاط المدن وتعدد الفصائل المسلحة غير النظامية وتعقيد ولاءاتها الإقليمية، بما يجعل واشنطن نفسها مرشحة لأن تعجز عن ضبط الأمور بسهولة، رغم امتلاكها قوة عسكرية على الأرض وفي السماء.