«كل مساء، تعود روحي إلى باريس وتتيه بين بيوتها» قال جبران خليل جبران ذات يوم في إشارة إلى تعلقه بهذه المدينة، وباريس تبادل المفكر اللبناني الحب ولا تنفك تؤكد ذلك في فعاليات عدة، آخرها افتتاح حديقة جبران خليل جبران، حيث شارك إلى جانب اللبنانية الأولى ناديا عون، كل من رئيس بلدية الدائرة الخامسة عشرة في باريس فيليب غوجون، وممثل رئيسة بلدية باريس المسؤول عن العلاقات الدولية وشؤون الفرانكوفونية باتريك غلوكمان، والسفيرة رلى نور الدين ممثلة السفارة اللبنانية في العاصمة الفرنسية، بالإضافة الى الجالية اللبنانية في فرنسا والفرنسيين المقيمين في الدائرة.بعد التقاط الصورة التذكارية، انتقل الحضور إلى الجهة المقابلة للحديقة حيث أزاحت اللبنانية الأولى الستارة عن لوحة «أرزة لبنان» التي كتب عليها «أرزة لبنان، أزاح الستارة في 26 سبتمبر 2017 اللبنانية الأولى ناديا عون، السيدة آن إيدالغو رئيسة بلدية باريس، فيليب غوجون رئيس بلدية الدائرة الخامسة عشرة».
في المناسبة تحدث غوجون وقال: «أهلاً وسهلًا بكم في بيروت على ضفاف نهر السين، ذلك أن هذا هو الاسم الذي عرف فيه هذا المكان الذي لجأت إليه جالية لبنانية انطلقت إلى مختلف مناطق أوروبا منذ العام 1975 على أثر اندلاع الحرب في لبنان».أشار إلى «أن الشاعر والرسام والفيلسوف جبران خليل جبران طبع عصره، خصوصاً العالم الغربي من خلال كتابه الأشهر «النبي» الذي ترجم إلى أكثر من 40 لغة». بدوره عبَّر غلوكمان عن الفرح والاعتزاز بتدشين هذه الحديقة، مؤكداً أن رئيسة بلدية باريس رغبت منذ زمن بتدشينها على اسم جبران، وأصرت على أن يكون التدشين خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس عون إلى فرنسا».وحيا ذكرى جبران والبعد الإنساني العالمي الذي طبع مؤلفاته، وهو فكر يشكل نقيضاً تاماً للحقد والعنف، ويدعو إلى الحوار والتسامح بين الشعوب، مشيراً إلى أن «عالم اليوم أحوج ما يكون إلى رسالته العالمية، فهو فيلسوف يمثل كل ما يكتنزه لبنان من جمال بتنوعه واختلافاته». من جهتها، شكرت السفيرة رلى نور الدين رئيسة بلدية باريس والقيمين على إدارة المؤسسات البلدية فيها على تخصيصهم حديقة تحمل اسم جبران، وهو «عمل أتى ثمرة إصرار من فرنسيين وباريسيين يعشقون لبنان».وأوضحت «أن جبران يمثل اليوم قيماً يمكن لأي مهاجر أن يحملها معه وينشرها خيراً حيثما وجد»، مضيفة أن نشيده المحبة، اختير كرمز للصداقة التي تجمع الفرنسيين بلبنان، تعبير عن شكر اللبنانيين لفرنسا وباريس على تخليدها اسم جبران في إحدى حدائقها».
جبران وباريس
عام 1908 غادر جبران خليل جبران بوسطن إلى باريس، بعدما تولّد لديه شعور بأنها مدينة مشؤومة مقارنة بمدينة النور، ومكث فيها نحو سنتين انكب خلالهما على دراسة الفنون والتقى زميله في الدراسة في بيروت يوسف الحويك، فأقام في مونبارناس وانتسب إلى أكاديمية جوليان التي تخرج فيها فنانون كبار، أمثال ماتيس، وبونار، وليجيه، وإلى المعهد العالي للفنون الجميلة. لاحقاً، بعدما غادر باريس قال لصديقه حويك الذي عاش معه سنتين في مدينة النور: «كل مساء، تعود روحي إلى باريس وتتيه بين بيوتها. وكل صباح، أستيقظ وأنا أفكر بتلك الأيام التي أمضيناها بين معابد الفن وعالم الأحلام...».في بداية فبراير 1909، تردد على مرسم بيير مارسيل بيرونو، «الفنان الكبير والرسام الرائع والصوفي»، حسب عبارة جبران. لكنه تركه بعدما نصحه الفنان الفرنسي بالانتظار والتمهل حتّى ينهي كل قاموس الرسم، وتردد إلى أكاديمية كولاروسي، المتخصصة في الرسم على النموذج، والتي كانت تستقبل فنانين أجانب.بعد ذلك فضل جبران العمل بملء الحرية في مرسمه، وزيارة المعارض، والمتاحف، مثل متحف اللوفر، الذي كان يمضي ساعات طويلة في قاعاته الفسيحة، وأعطى دروساً في الرسم لبعض الطلبة، وانخرط في مشروع طموح: رسم بورتريهات شخصيات شهيرة، استهلها برسم النحات الأميركي برتليت.شارك جبران في معرض الربيع، أكبر التظاهرات الفنية في باريس، بلوحة عنوانها الخريف، آملاً بأن يمر بها «رودان العظيم» فيعجب بها ويثمنها، وبالفعل وقف الفنان الفرنسي لحظة أمامها، وهز رأسه، وتابع زيارته. بعد ذلك، عرض جبران لوحاته في معرض الاتحاد الدولي للفنون الجميلة في باريس بعدما دعي إليه بشكل رسمي. إلاّ أن عدم الاستقرار أتعبه، فغادر باريس عائداً إلى بوسطن.حدائق جبران
عام 2001، كرمّـت بيروت جبران خليل جبران، في الذكرى السبعين لوفاته بداء السل، بافتتاح حديقة تقع في الوسط التجاري قبالة مقر الأمم المتحدة، تحوي منحوتة نصفية لشخصه.وفي أكتوبر 2014، أزاح السفير اللبناني في واشنطن أنطوان شديد الستار عن تمثال نصفي لجبران خليل جبران في حديقة السفارة اللبنانية في واشنطن، خلال احتفال أقيم تحت عنوان «وأخيراً وجد جبران خليل جبران مكانه الطبيعي في الولايات المتحدة في سفارة لبنان في واشنطن».