قامت الدنيا، ولم تقعد حتى هذه اللحظة، لأن إدارة «مهرجان الجونة السينمائي» قررت تخصيص قاعة جانبية أو إضافية مزودة بشاشة مخصصة لبث وقائع افتتاح الدورة الأولى، وهو ما يعني أن متابعة الحفلة من القاعة الرئيسة ستكون مقصورة على طائفة أو شريحة من الضيوف، الذين ينطبق عليهم وصف P.I.V، فيما تستضيف القاعة الجانبية كل من ضاقت القاعة الكبرى بطموحاتهم، ولم تتسع لأحلامهم!

تقليد معمول به في المهرجانات السينمائية العريقة، مثل «كان»، ولم يحدث أن شهدت أية دورة للمهرجان الشهير اعتراضاً عليه، أو حالت احتجاجات دون تنفيذه. لكن ما حدث في «مهرجان الجونة السينمائي» كان بمثابة مفاجأة أقرب إلى الصدمة بالنسبة إلى القيمين عليه، ممن باغتتهم بيانات الاحتجاج من الصحافيين، وزلزلتهم حملات الهجوم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي بلغت حد التندر والسخرية من الإدارة، التي اكتفت، حسب اتهاماتهم، بدعوة «الأصدقاء والخلان» إلى القاعة الرئيسة، وكأنها «عزومة» في «ريستوران»!

Ad

أصابت إدارة المهرجان عندما تشبثت بتفعيل قرار القاعة الجانبية، وسعت إلى تنفيذه بحسم، ولم تلتفت إلى صيحات الاستهجان والتهديد بالانسحاب والمقاطعة، لأن التراجع كان سيجر عليها كثيراً من التداعيات السلبية الخطيرة، لكنها أخطأت عندما توصلت إلى قرار كهذا، وسارعت إلى تطبيقه، من دون أن تمهد له، أو تضع في حسبانها عواقبه الوخيمة، والأهم أن تُخضعه، قبل التعجيل بخروجه إلى النور، لما اصطلح على تسميته «الحوار المجتمعي» بين الصحافيين المستهدفين من القرار. فمن غير المعقول أن يعلم الصحافيون بنبأ القاعة الجانبية قبل ساعات قليلة من التحرك إلى مكان الافتتاح، فيما كان بمقدور الإدارة، والمركز الصحافي خصوصاً، إعلام الجميع بالقرار قبل مغادرة القاهرة إلى الجونة. بل إن إدارة المهرجان، ومعها المركز الصحافي، كانت مُطالبة بتقنين القرار بشكل مُسبق، عبر مطالبة المؤسسات الصحافية، وإدارات المواقع والبوابات الإلكترونية، بترشيح اسم المحرر الصحافي الذي يمثلها في الافتتاح، وبهذا تُغلق الباب نهائياً أمام أية احتجاجات صاخبة من النوع الذي انفجر في أرجاء مدينة الجونة، ويصبح حضور الصحافيين إلى مدينة المهرجان، بعد إبلاغهم بوجود قاعة رئيسة وأخرى جانبية بمثابة موافقة صريحة على القرار، وامتثال ضمني لبنود العقد غير المكتوب بين الإدارة والصحافيين.

المفاجأة التي تخفى على كثيرين أن فكرة القاعة الجانبية أو الإضافية ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وإنما جرى طرحها إبان تولي النجم حسين فهمي رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي (8991-1002)، إذ اكتشف أن المسرح الكبير، الذي يستضيف وقائع حفلة الافتتاح، يتسع لنحو 0031 مقعد فقط، فيما يزداد عدد الراغبين في حضور الافتتاح دورة بعد أخرى، من ثم ظهر اقتراح تخصيص قاعة المسرح الصغير، التي تتسع لخمسمئة مقعد، لبعض أصحاب الدعوات ممن سيتعين عليهم مشاهدة المراسم من خلال شاشة في القاعة الجانبية!

كنت يومها مديراً للمركز الصحافي لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وفوجئت بأن ثمة اتجاهاً يسعى أصحابه إلى إقناع رئيس المهرجان بتخصيص القاعة الجانبية للصحافيين فقط، وتساءلت، بغضب، عن السبب في حرمان شريحة الصحافيين من الحضور في القاعة الرئيسة، بينما نفتح الباب أمام أبناء الطوائف الأخرى، وطالبت بتطبيق نظام «الكوتا» (etouq) أو الحصص النسبية، التي تتيح لكل شريحة نسبة عادلة للحضور في المسرح الكبير، كذلك المسرح الصغير، بالإضافة إلى وضع شروط لدخول المسرح الكبير، ومن لا تنطبق عليه الشروط يتجه مباشرة، ومن تلقاء نفسه، إلى المسرح الصغير!

يومها ثارت الضجة نفسها، التي اندلعت اليوم في الجونة، إذ قيل أيضاً إن ما حدث يحمل قدراً من الإهانة والازدراء للصحافيين، وإن ثمة تمييزاً عنصرياً بين ضيوف المهرجان، بل إن البعض ردد في احتجاجه الكلمات نفسها التي ترددت في الجونة: «وما حاجتنا إلى دعوة الحضور بينما نستطيع مشاهدة المراسم عبر التلفزيون في بيوتنا؟». غير أن الفارق بين الأمس واليوم، أن التمهيد لقرار «الغرفة الجانبية» تم الإعداد له، وإعلانه، في عهد حسين فهمي، بشكل مبكر، كما جرت التهيئة له بشكل نفساني صائب، ما أسهم في وأد الفتنة في مهدها، وأتاح لإدارة المهرجان احتواء الأزمة في حينها، وإن أدركت بعدها أن الأجواء غير مهيأة في مصر لتطبيق هكذا اقتراح فما كان منها، والإدارات المتعاقبة للمهرجان، سوى أن صرفت النظر عنه نهائياً!