صحة المجتمع من صحة الفرد
عندما عرفت منظمة الصحة العالمية "الصحة" بأنها "حالة الكمال البدني والعقلي والاجتماعي وليس مجرد الخلو من العجز والمرض"، وجعلت منه غاية تسعى المجتمعات إلى الوصول إلى أهدافها، حيث اجتهد علماء الصحة والاجتماع في شرح الأبعاد الأساسية المتعلقة بصحة الإنسان (البدنية والنفسية والعقلية والروحانية والاجتماعية) وربطوها بالحاجات الأساسية للإنسان من غذاء وماء وبيئة نظيفة ومأوى وتعليم، من خلال وضع البرامج والخطط وتصويب للقوانين. لنأخذ مثالا على الفهم الصحيح لهذا التعريف ولنقف أمام تجربة الدول الاسكندنافية التي تتصدر قائمة دول العالم من حيث ارتفاع مستوى الصحة والسعادة بسبب اهتمامها بكل مستلزمات ومقومات الصحة لإيمانها بأهميتها وتأثيرها على حالة الرفاهية والتنمية. لقد التفتت المجتمعات المتحضرة إلى هذا التعريف حتى قبل صدوره، واهتمت بوضع التدابير اللازمة ومنها دولة الكويت التي جاء دستورها متوافقا مع تلك المتطلبات وراعى تضمينها في مواد الدستور، مما انعكس إيجاباً على مستوى الرفاهية، حيث حققت الدولة طفرات كبيرة على كل المجالات إلا أن أداءها في السنوات الأخيرة تراجع لأسباب متعددة لا يسعنا شرحها في هذا المقال.
بما أن التعريف جاء صراحة على أهمية الصحة الروحية فلعل من المناسب الحديث عن المادة 36 بالدستور المتعلقة بالحرية الفكرية وحرية الاعتقاد وأن لهما دورا كبيرا في استقرار المجتمع ولأهميتهما في إرساء الاستقرار والطمأنينة النفسية للفرد، والتي من شأنها دفع الفرد إلى أن يكون عنصراً فاعلاً في صون المجتمع من الكثير من المشاكل. لقد تابعنا وللأسف الشديد بعض حالات الانتحار ولعل آخرها تلك الحادثة التي أشعل فيها شاب بعمر الزهور من فئة البدون النار بنفسه نتيجة الضغوط الحياتية التي تعيشها تلك الفئة، وتابعنا أيضاً حالات التضييق على شريحة ومكون أساسي من مكونات المجتمع من بعض رجال الدين والساسة بفرض الوصاية الدينية والتكفير مع تغاضي الحكومة عن مثل هذه التصرفات السلبية التي يفترض بها العمل بمواد الدستور ورعاية مصالح مواطنيها. اليوم قرأنا من خلال الصحف عن نية الحكومة تفعيل تواصلها الاجتماعي مع الجمهور، وهي خطوة مستحقة لكن الحذر من التفاعل المبني على معلومات مغلوطة أو الانجراف وراء آراء تتعارض مع مواد الدستور ضروري. واعتراف الحكومة بأن المواطن قد فقد ثقته بالأداء الحكومي كلام في غاية الأهمية لكن مسؤولية إعادة الثقة تقع على الجهاز الحكومي وليس على المواطن، ومن هنا لا بد أن تكشف الحكومة الأسباب التي أدت إلى فقدان الثقة والوسائل التي ستقوم بها لإعادة هذه الثقة. يصادف هذه الأيام استشهاد سيد الأحرار الإمام الحسين بن علي ولد فاطمة الزهراء ابنة المصطفى محمد عليه وعلى آله النجباء وصحبه الأخيار أفضل الصلوات، وفي هذه المناسبة العظيمة أدعو المسلمين إلى وحدة الصف ورفع كلمة الحق ضد الباطل، كما أتوجه بعظيم الامتنان لمنتسبي وزارة الداخلية على وجودهم الميداني وحسن تعاملهم وسمو أخلاقهم في حماية المساجد والحسينيات منذ الاعتداء الآثم على مسجد الإمام الصادق.ودمتم سالمين.