يجب أن يكون معروفاً للدول والأنظمة، قبل المواطنين، أن هذه الفوضى التي تعمُّ دول شرقي البحر الأبيض المتوسط ستؤدي حتماً إلى المزيد من الحروب والتمزق والانقسامات، إذا بقيت إيران تتمدد؛ سياسياً وعسكرياً وأمنياً في هذه المنطقة، وإذا لم يوضع حد، وبالقوة، إذا لزمت الأمور، لهيمنتها على العراق وسورية، ولتدخلها السافر في اليمن ولبنان... وفلسطين أيضاً، وفي معظم الشؤون العربية.بالطبع، فإن ما لا جدال فيه هو أن "استفتاء" الأكراد الأخير ما كان من الممكن أن يتم لولا أن الهيمنة الإيرانية على العراق، التي وصلت إلى مستوى الاحتلال، لم تبتلع السيادة العراقية، ولولا أن القرار الفعلي في هذا البلد العربي أصبح منذ عام 2003 في أيدي الإيرانيين، وهذه مسألة بقي يشكو منها حتى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي لا شك في أن نواياه طيبة، ومواقفه وطنية، وتوجهاته عروبية.
وبالطبع أيضاً، فإنه من المفترض أن ما لا جدال فيه هو أن الأزمة السورية، التي جعلت سورية تواجه حتى الآن أخطر وأسوأ الاحتمالات المرعبة؛ فعلاً وحقاً، ما كان من الممكن أن تستمر لولا التدخل الإيراني السافر، الذي أصبح يستند منذ سبتمبر 2015 إلى الوجود العسكري الروسي، الذي تحوَّل إلى قواعد عسكرية، وإلى نفوذ سياسي طاغٍ غيَّب دور بشار الأسد ونظامه، وحيث أصبح القرار في موسكو وليس في دمشق، التي هناك استمرار بتحويلها إلى مستوطنات طائفية ومذهبية إيرانية.والأخطر أن هناك إنعاشاً لفكرة تآمرية وجهنمية قديمة بتقسيم العراق إلى ثلاث دول: دولة شيعية في الجنوب، ودولة سُنية في الوسط، ودولة كردية في الشمال. والواضح أن الرئيس مسعود البارزاني لو أنه لم يشعر بأن هذه الفكرة غدت مطروحة، وإن على نطاق ضيِّق، فإنه ما كان من الممكن أن يُقدم على مغامرة "الاستفتاء" الأخيرة هذه، التي ترفضها حتى الآن كل دول العالم الفاعلة والمؤثرة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.وهكذا، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار، ومنذ الآن، أن الأخطر من سايكس – بيكو ووعد بلفور هو تجزئة العراق إلى ثلاث دول، فهذا سيجعل إيران، من خلال الكيان الطائفي الذي سيتشكَّل في الجنوب، قادرة على اختراق العديد من دول هذه المنطقة، وقادرة على تطويق منطقة الخليج العربي، وهذا هو ما قصده قاسم سليماني، عندما قال إن الحرس الثوري الإيراني أصبح القوة الرئيسية في شرقي البحر الأبيض المتوسط.
أخر كلام
إذا «تمزَّق» العراق!
29-09-2017