عفية على السعوديين...

ما ترونه من تقدم سريع جداً يجري في المملكة العربية السعودية لم يأتِ من فراغ، لكنه جاء بفضل سنوات طويلة من معارك التنوير التي خاضها كبار المثقفين السعوديين، توجتها خطة الابتعاث الكبرى التي أطلقها الملك عبدالله- رحمه الله- قبل 10 سنوات تقريباً، كل ذلك أدى بدوره إلى تهيئة الأرضية الشعبية لصدور مثل هذه القرارات الملكية، أما من يحاول أن يصور الأمر كأنه قرارات عليا مفروضة بلا غطاء شعبي فهو غالباً؛ إما من الصحويين المنتهية صلاحيتهم، أو "المحافظين العيايرة" الذين فاجأتهم السرعة فلم يجدوا غير الإنكار ملاذاً لهم، رغم أنهم أول من سيستفيد من هذه القرارات كعادتهم، أو من النصابين الذين ينتقدون الماضي والحاضر ولا يعجبهم العجب حفاظاً على صورتهم كمعارضين ثوار.

السعوديون أشجع منا، يسعون إلى التغيير بجدية، ولا يفكرون كثيراً في رأي التاريخ وأقاويل الناس عن كيفية قضائهم على أفكار من سبقوهم والواقع الذي خلقوه، قيض الله لهم السلطة في هذا الزمان، وليكن، فلو لم تر السلطة فيهم قوة حقيقية ذات بأس تستطيع مقارعة قوى الماضي لما ساندتهم، ولو لم تر هذه السلطة شعبية جارفة لما تنوي اتخاذه من قرارات لما جازفت باتخاذها، ثم كأن الزمان الصحوي الماضي كان باختيار الناس أصلاً، كان أمراً مفروضاً كذلك وتغير الناس والظروف فلزم التغيير.

فإذا كان خصمك إقصائياً لا يؤمن بالديمقراطية ولا الحريات ولا أي مبدأ إنساني أو أخلاقي لكنه مستعد لرفعها ونقضها بذات الوقت، ليكسب بها شعبية بين العامة يحقق بها أهدافه ويكسر خصومه ومنافسيه، فلا يمكنك حينئذ محاربته بالشعارات الحالمة وغصن الزيتون، فالركون إلى مثل هذه الشعارات الأخلاقية والمثالية بلا عمل فعلي على الأرض لن يغير الواقع، أما من يفكر كثيراً في كلام الناس ورأي التاريخ ليغير موقفه من السلطة لمواجهة المتحالفين القدامى معها فلن يتقدم خطوة، وسيظل يندب حظه، فمن يستحسن دور المظلومية فسيظل مظلوماً.