إذا كنت تظن أنك قد شاهدت نهاية سلفيو برلسكوني، فعليك بالتفكير مرة أخرى.

فرئيس وزراء إيطاليا الأسبق المحاصر بالفضائح ضرب بعرض الحائط العبارة القديمة التي تقول إن «كل من يسلك طريق السياسة مصيره الفشل».

Ad

قطب صناعة الإعلام الذي اتجه للسياسة، والذي يراه الكثيرون سلفاً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد نجا من جراحة قلب مفتوح وحكم قضائي بالإدانة في قضية تهرب ضريبي، وقرار بالطرد من البرلمان، وها هو ذا يشق طريقه من جديد إلى بؤرة الأضواء في المعترك السياسي.

ويقول ولفانجو بيكولي رئيس مؤسسة «تينيو إنتليجانس» للاستشارات الدولية في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية: «لقد بدأت رحلة صعود برلسكوني، وهي حقيقية، وسوف يستمر على الأرجح في الارتفاع»، مضيفاً أن «مهارات رئيس الوزراء الأسبق غير مسبوقة، ويمكنني القول إنه لا يوجد سياسي آخر مثله في إيطاليا».

رائحة الانتصار

في يونيو الماضي، فاز مرشحو برلسكوني في الانتخابات المحلية على مستوى البلاد، والآن يتجه التحالف السياسي الذي يضم حزب برلسكوني الذي يحمل اسم «فوزرا إيطاليا» أي «إلى الأمام يا إيطاليا» وحزبي «رابطة الشمال» و«أشقاء إيطاليا» اليمينيين المتطرفين للفوز في انتخابات الرابع من نوفمبر في صقلية، والتي ينظر إليها باعتبارها تجربة للانتخابات العامة الإيطالية عام 2018.

وكتب برلسكوني الشهر الماضي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قائلاً: «يمكنني أن استشعر رائحة الانتصار في الانتخابات المقبلة... فالمزيد من الإيطاليين يطلبون مني ومن حزب فوزرا إيطاليا أن نقوم بتغيير جذري للأشياء غير الصحيحة في بلادنا».

وربما يكون هذا الكلام محض مبالغات، بالنظر إلى أن برلسكوني لا يمكنه خوض الانتخابات بسبب سجله الجنائي، ولأن ماتيو سالفيني زعيم حزب رابطة الشمال يسعى ليحل بدلاً منه على رأس معسكر المحافظين.

ويعتمد برلسكوني على محكمة حقوق الانسان الأوروبية من أجل إلغاء قرار منعه من شغل منصب عام، ولكن ربما لا يأتي هذا الحكم في التوقيت المناسب.

كما يثق برلسكوني في أن الناخبين سوف يفضلون سياساته المتماشية مع التيار السياسي الرئيسي على خطاب سالفيني المناهض للاتحاد الأوروبي والمهاجرين.

الاستعداد للمعركة

ومن أجل الاستعداد للمعركة، اتبع السياسي، الذي يشتهر بحرصه البالغ على مظهره، برنامجاً تأهيلياً خلال فصل الصيف دفعه لقضاء بعض الوقت في نادي صحي راقٍ يعقبه ممارسة برنامج يومي للتدريبات الرياضية يتضمن الركض لمسافة خمسة كيلومترات والسباحة لمدة نصف ساعة.

وفي حين أن برلسكوني ظهر يوم الرابع من أغسطس وهو يبدو عجوزاً وأصلع الرأس قبل البدء في برنامجه التأهيلي، إلا أنه عاود الظهور الأسبوع الماضي على صفحات إحدى مجلات النميمة التي تمتلكها أسرته وهو يبدو «في كامل لياقته أكثر من أي وقت مضى بشعر مصفف».

ورغم أن برلسكوني كان يشتهر بنزواته وحفلاته الجنسية مع الفتيات الشابات، إلا أنه أعاد تصوير نفسه كرجل دولة معتدل يقتدي بنموذج المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ويمكنه القيام بدور الحصن في مواجهة حزب الخمس نجوم المعارض للمؤسسة الحكومية.

ويقول رئيس البرلمان الأوروبي والمتحدث السابق باسم برلسكوني أنطونيو تاجاني لوكالة الأنباء الألمانية إن رئيس الوزراء الأسبق «هو اليوم لاعب رئيسي يمكنه منع الشعبويين من الاستيلاء على السلطة في إيطاليا»، مضيفاً أن برلسكوني «يضمن تحقيق الاستقرار، مثلما كان يفعل دائماً».

وربما تبدو هذا التصريحات متناقضة مع الواقع عندما يتذكر المرء كيف ترك برلسكوني منصبه في نوفمبر عام 2011، حيث كانت إيطاليا على حافة الإفلاس على نحو يهدد منطقة اليورو بأسرها، وقال برلسكوني وقتها إن الأزمة التي تمر بها بلاده إنما هي مؤامرة دولية تهدف للإطاحة به من منصبه.

ويقول برلسكوني الآن إن لديه أفكار جديدة لتنشيط الاقتصاد الذي خرج من دائرة الركود، ولكنه مازال في حالة هشة، ومن بين هذه الأفكار طرح عملة محلية يتم استخدامها بالتوازي مع اليورو يطلق عليها اسم «الليرة الجديدة»، وهو ما سوف يسمح لإيطاليا بأن تشق طريقها خارج الأزمة عن طريق الانفاق.

ويقول بيكولي إن هذه «المقترحات هي محض أحلام».

وأوضح قائلاً: «علاوة على كونها مقترحات غير واقعية، فإن الوعود بتوفير أموال سهلة لتعزيز الاقتصاد هي على الأرجح فكرة رئيسية للحملة الانتخابية... لاسيما إذا تشكل تحالف يمين الوسط، وتهدف هذه الفكرة إلى صرف الانتباه عن التحديات والمشكلات الحقيقية التي تواجه إيطاليا».

سباق ثلاثي

وتكشف استطلاعات الرأي أن الحملة الانتخابية لعام 2018 ستكون سباقاً ثلاثياً بين معسكر برلسكوني وحركة الخمس نجوم والحزب الديمقراطي الحاكم الذي تراجعت شعبية زعيمه ورئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي بعد هزيمته في استفتاء على تعديلات دستورية تم إجراؤه في ديسمبر الماضي.

وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «ديموز أند باي» الشهر الجاري ونشرته صحيفة «لا ريببليكا» اليومية أن نسبة تأييد حركة الخمس نجوم تبلغ 28.1 بالمئة مقابل 26.8 بالمئة للحزب الديمقراطي، بينما تتراوح شعبية حزبي برلسكوني وسالفيني ما بين 13 و14 بالمئة لكل منهما، فيما تبلغ شعبية حزب أشقاء إيطاليا 4.8 بالمئة.

وفي ظل هذه الأرقام، وتطبيق نظام التصويت النسبي في إيطاليا، فإن كتلة برلسكوني سوف تحظى بأكبر رصيد من المقاعد، دون أن تصل إلى الأغلبية المطلقة، وبالتالي لن يكون ذلك كافياً لوصول برلسكوني إلى رئاسة الحكومة، وإن كانت هذه النتيجة سوف تكون بمثابة انتصار شخصي لرئيس الوزراء الأسبق، كما أنها سوف تجعله صانع للملوك وفق مشهد برلماني متشابك.

ويقول البروفسير جيوفاني أورسينا من جامعة «لويس» بالعاصمة روما لوكالة الأنباء الألمانية: «إنها إشارة إلى المستوى الذي انحدرت إليه الحياة السياسية في إيطاليا حتى أن رجلاً يبلغ من العمر قرابة 81 عاماً تعرض لمختلف أنواع المشكلات، يبدو كما لو كان أفضل اختيار مطروح».