هبة مندني تطرق باب مجلس الأمة... الطفل وحكايات تواكب العصر
• تتناول في «انتخبوا فاطمة» الانتخابات والديمقراطية
أدب الطفل جنس أدبي معروف، وله قواعده وأدبياته، فهو يخاطب فئة عمرية مُحددة، لهذا يتعامل معه الكاتب بحذر، بينما يتخوّف منه كاتب آخر كونه يُخاطب تلك الفئة التي تحتاج إلى مُفردات محددة لأن المُتلقي مُختلف.
في العقود الأخيرة من حياتنا اختلطت الأمور فلم يعد ذلك الطفل هو طفل الأمس الذي يُفترض أن تخاطبه بقصص لها شكليات بقوالب مُحددة. الكاتبة الكويتية الشابة هبة محمد مندني كانت لها خطوة لافتة في هذا المجال.
في العقود الأخيرة من حياتنا اختلطت الأمور فلم يعد ذلك الطفل هو طفل الأمس الذي يُفترض أن تخاطبه بقصص لها شكليات بقوالب مُحددة. الكاتبة الكويتية الشابة هبة محمد مندني كانت لها خطوة لافتة في هذا المجال.
طفل اليوم لم يعد يستوعب قصص «ليلى والذئب» أو «الفيل والنملة»، أو «الفراشة مع الأسد»، حكايات مُستهلكة لا تُنمي عقله، فهذا الطفل «الجديد» أصبح يتعامل مع أدوات جديدة، وليس بحاجة إلى أن نخاطبه بأسلوب أكل عليه الدهر وشرب. «غوغل» وجهاز الآيفون والآيباد فتحت له نوافذ جديدة على عوالم من حوله، وحتى بعيدة ولهذا لا يحتاج إلى أن يسأل من حوله.في أدبيات المجتمع الكويتي والخليجي ما زلنا نطلق مسمى «الياهل «على الطفل، وتعني في الفصيح «الجاهل» وهي بوضوح تعني الجهل. لكن هل ممكن أن تتوافق هذه الكلمة مع عقلية طفل اليوم؟ طبعاً لا، فهذا الجاهل ويعني الطفل يحتاج إليه الكبير في الأسرة ليحلّ مأزق تعامله مع خاصية في جهازه النقال، أو هو يعلمك كيفية التعامل مع الإنترنت وغيرها من وسائل حديثة، وسقطت منذ زمن المقولة الشعبية «أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة» فلم تعد صالحة لزماننا حيث انقلبت الآية.
هبة والخروج من الدائرة
الكاتبة الكويتية الشابة هبة محمد مندني أرادت أن تخرج من دائرة النهج المُتعارف عليه في أدب الطفل، وأصدرت عملين يمكن أن نضعهما في صنف أدب الأطفال الراقي. هي لم تستخدم في أعمالها حكايات مُستهلكة ورموزاً حيوانية كالأرنب والقطة والنعامة والفيل، أنما جنحت إلى استخدام مُفردات يتعايش معها الطفل يومياً ويسمعها، رغم أنها ربما لا تلفت انتباهه. حاولت الكاتبة أن تستدرج الطفل وتقدم له بأسلوب راق نصوصاً وقصصاً تنير له الواقع المعاش حوله، وهذا النهج بالنسبة إلينا جديد وذكي. لفت انتباهي عملان لهبة محمد مندني، ترددت في البداية في قراءتهما كونهما يخاطبان الطفل وأنا لست من هذه الفئة، لكن عندما تصفحتهما وبصفحاتهما المحدودة وقعت في دهشة تامة، فوجدتهما عملين راقيين بمعنى الكلمة، وفيهما تخرج الكاتبة عما هو معروف. في كتاب «انتخبوا فاطمة» الصادر عام 2017، تكتشف هبة صوتاً جديداً، وخطاباً مغايراً قُدّم بإخراج جيد ورسومات تنبض بالحياة، والكتاب رغم صفحاته المُحددة (15 صفحة) يتحدث عن موضوع مهم، لكنه ربما لا يستهوي الفئة العمرية المستهدفة، فمادته تعرض لقضية الانتخاب والديمقراطية والمُشاركة ولكن بأسلوب سلس... نعم مصطلحات كبيرة قد لا تستهوي طفلاً أو تلميذاً في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة، لكن هبة تقدم ذلك النص، وكأنها تستدرج الطفل إلى معرفه هكذا مُصطلحات يتعايش معها ولا تقع في دائرة اهتمامه.تدور قصة هذا العمل حول التلميذة فاطمة التي تريد المشاركة في الانتخابات في المدرسة، لهذا تعرض الكاتبة مُصطلحات العمل البرلماني بأسلوب سهل وواضح، مثلاً نجد الأب يقول: «نعم... يا ابنتي هل تعلمين أن الهدف من أي انتخابات هو المُشاركة الإيجابية في صنع القرار، وهذا ما يحدث في انتخابات مجلس الأمة حيث يختار الشعب خمسين عضواً من أبناء وطنهم لتمثيلهم بحسب ما ذكر في الدستور وتلك هي الديمقراطية القائمة على مبدأ المساواة بين المواطنين، وأكبر دليل على ذلك هو حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية». فترد الطفلة قائلة: «فخورة أنا بوطني الديمقراطي يا أبي». وحكاية مادة القصة تتحدث عن التلميذة فاطمة التي قررت المشاركة بانتخابات مجلس الطالبات، وهنا يدور الحديث بينها وبين صديقتها أحلام عن الانتخابات.ما نود قوله إن مادة الكتاب جديرة بالاهتمام من المسؤولين في القطاع التربوي ويفترض أن يقروا الإصدار كمادة دراسية كي نستدرج الطفل وهو يقرأ إلى أن يتعرف إلى ما يحدث حوله محلياً، وهذا بمنزلة تثقيف أولي له، ولنجعله يتعايش مع الواقع، وهذا ما كانت تهدف إليه كاتبتنا بذكاء وتميز، حيث نجدها طرقت باب مجلس الأمة من زاوية جديدة.مدينة الغيوم وتميز آخر
عمل هبة مندني الثاني بعنوان «مدينة الغيوم» الذي أثار إعجابي واستغرابي، لا سيما أنه كتب بمهنية عالية. صدر الكتاب عام 2016، وفاز بالمركز الأول لجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم بالإمارات، وفعلاً يستحق الفوز، ولقي اهتمام المسؤولين في وزارة الثقافة الأردنية، وصدر عام 2017 عن مكتبة الأسرة بالأردن. «مدينة الغيوم» قصة للطفل من 14 صفحة، فيها استدرجت الكاتبة من قواميس اللغة العربية مفردات مُسميات الغيوم وجعلتها أبطال العمل، فـ«غمام» هو الأب، والأم تحمل اسم «غيمة» فضلاً عن الابنتين «سحابة» و«مزنة» وهكذا، ومزنة الصغيرة تريد أن تنزل إلى الأرض من مدينة الغيوم، لذا تقيم علاقة صداقة مع الريح وهو عدو السحاب.عموماً لن نسترسل في كشف محتوى هذه القصة الرائعة وأهدافها المكبوتة التي كتبت بأسلوب مهني وأدبي مُتميز. لكن في نهايتها نجد قول «مزنة»: «سأظل هنا في وطني عالية وسط زرقة السماء، بين أهلي وأحبابي فأنا فخورة بكوني مزنة، الغيمة البيضاء»، كأنها تقول «بدلاً من أن يأتي الريح ويقتحم مدينتي مدينة الغيوم»!.لهبة مندني أعمال عدة في قصص الأطفال وكتابات أخرى، ومشاركات واسعة في هذا المجال، ولها نشاط أدبي ومجتمعي ملحوظ رغم حداثة نزولها إلى ساحة الكتابة، وهي حاصلة على بكالريوس صيدلة من جامعة الكويت عام 2002، ورئيسة قسم الصيدلة في أحد المستشفيات في الكويت.حتما نفتخر بأدب هبة مندني الراقي ونتمنى لها التوفيق، ويفترض أن تلقى الاهتمام من دوائر القرار في أجهزتنا الرسمية في الجانب الثقافي والتربوي والمجتمعي.
{انتخبوا فاطمة} قُدّم بإخراج جيد ورسومات تنبض بالحياة