جون آشبري يرحل في التسعين
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
لكن جون آشبري لم يكن نموذجاً خالصاً لهذا "الوهم والإيهام". فنتاجه الشعري يتمتع بعذوبة في اللغة، والصورة، والمفارقات المولَّدة منهما، بطريقة محببة تميزه عن كثيرين من مقلديه. هذه عبارة لأحد النقاد في رصد لغته الشعرية: "همس متكتّم، غير مفهوم وذكي في الوقت ذاته، مع إيقاع نبض غريب يتذبذب مثل موجة بين ذُرى وضوح حاد وجفاف غموض لا رواء فيه". "إن من السهل أن تتبين ما توفره قصيدته من مشاعر"، يقول ناقد آخر، "ولكن من العسير أن تفهم ما يمكن أن توفره من معانٍ. وآشبري يستمتع لهذا اللايقين". لكني أرى أن "الاستمتاع باللايقين من الدلالة" هو ما يتمتع به كل الشاعر. وما من قصيدة جيدة تُفضي إلى معنى واحد محدد، وكأنه معنى جاهز قبل للكتابة. الأمر هنا يختلف مع قصيدة آشبري، التي تبدو لكثير من النقاد مُغلقة، مع كل شفافية لغتها وصوتها المُطرب. هذه عينة من شعره:"لقد سبق أن أخبرتك كمْ يُخيفني هذا،/ على أننا معاً يمكن أن نتعامل معه،/ وهو مكان شأن كثير من الأمكنة/ صالح لأن أفتح دهشتي الأخيرة: أنت، في ذهابك،/ حييّاً، غير مبال، ولكن تحت سماء تظللك طوال ما يحلو لها من أيام./ هذا ما عنيته بقولي "نتعامل معه سوية"، وكما قلتها،/ كلا السطح وما ينطوي عليه..." الخ.ثمة طريقة واحدة لقراءة شعره، يقترح آشبري في إحدى حواراته، هي أن تفكر فيه كعمل موسيقي. "الكلمات في قرابتها الواحدة من الأخرى تتلبس معاني أخرى. ما تسمعه من كلمات في لحظة معينة هو أشبه بانكسارات (الشيء في الماء) لما قبلها ولما بعدها". واضح أن هذا الكلام ذو طبيعة مجازية، لا حدود للتأويل فيه، وبالتالي لا يُعتمد عليه. بدأتْ شهرة آشبري وسط سبعينيات القرن الماضي، حين بدأ يحصل على جوائز الشعر الأميركية المهمة. اعتُبر في منتصف العمر من "مدرسة نيويورك" الشعرية، التي تأثرت عميقاً بالفن التشكيلي. عاش عشر سنوات في باريس، وترجم الكثير من الشعر الفرنسي، وله 28 مجموعة شعرية.