شاركت مع ثلاث فنانات بمعرض «والتقينا بالجنوب» في غاليري «النيل». كيف انبثقت فكرته؟

Ad

جاء المعرض بعد دعوة من الصديقة الفنانة هالة الشافعي للعرض معها ومع كل من الصحافية الفنانة سوزي شكري والفنانة د. مروة عزت، وذلك بعد لقائنا في «ملتقى الأقصر الدولي». حمل المعرض أفكاراً وأساليب ورؤى متنوعة، ورغم اختلافنا في تناول الموضوع فإن كلاً منا يتقبل الآخر كما هو.

عرضت مجموعة أعمال تناولت فيها العشوائيات بأسلوب مختلف، يتجلى فيه التصميم واللون وتنوع الظلال والأضواء والأشكال، ذلك في إطار من التبسيط والتلخيص لتأكيد القيم التعبيرية واللونية وحبكة التصميم، في حس درامي يعكس ما وراء الأشكال من معاناة ساكنيها.

رؤى فنية

كونك أكاديمية، هل تقيدت بقواعد ونظريات أثرت في ما تقدمينه من رؤى فنية؟

الأكاديمي فنان مثله مثل أي فنان حر، له رؤيته الخاصة التي يطرحها على المتلقي، ويواكب الحوادث والتطورات الفنية كغيره من الفنانين، ويشارك في المعارض الجماعية والدولية والملتقيات، لأنه في النهاية فنان لا ينفصل عن الحياة الفنية أو عن مجتمعه، إلا أنه دائم البحث في الفن التشكيلي وعرض الأساليب الفنية حتى لو لم ينتم إلى أحدها. كوني أكاديمية أضاف إليّ الكثير وساعد في تكوين شخصيتي الفنية، وجعلني دائمة البحث في الخامات وما تحمله من صفات وعناصر تشكيلية جديدة، أستطيع الاستفادة منها سواء خامات سابقة التجهيز أو استحداث خامة ما. من ثم، أعدت تدوير الورق، وخرجت منه بأعمال فنية تملك طابعاً خاصاً يتميز بالأصالة والمعاصرة معاً. كذلك استخدمت الخزف، تلك الخامة الثرية التي تحمل في طياتها طاقات لا تنتهي، كذلك لجأت إلى الإسمنت لعمل جداريات بمساحات كبيرة.

ملتقيات

شاركت أخيراً في عدد من الملتقيات التشكيلية الجماعية من بينها «ملتقى البرلس» و«سمبوزيوم الأقصر»، ماذا عنهما؟

في «ملتقى البرلس الدولي» اختير كل فنان لجدار ما من جدران بيوت البرلس، ورسم فنانو الملتقى على البيوت بمساعدة الأهالي والأطفال، ما كان له أثره الإيجابي في نفوسهم وسلوكياتهم، من ثم كُسرت الحواجز بين الفنان المتهم دائماً بالعيش في مكان منعزل وبين المجتمع. كذلك رسم الفنانون ولونوا مراكب البرلس وكل وضع رؤيته وتصميمه على المركب الخاص به بحرية تامة, وكانت تجربتي ثرية ومتمايزة بالمقاييس الفنية كافة. أما عن «سمبوزيوم الأقصر الدولي» فكنت في رحاب التاريخ أطوف وأتجول في المعابد ومقابر الفراعنة، في حالة من الذهول والاستمتاع بعظمة الفنان المصري، ورحت أتشبع قدر المستطاع بما أراه وأشعر به. رسمت لوحة كانت نتيحة طبيعية لما رأيت وخرجت بحس مختلف عن تجاربي السابقة.

عموماً، الملتقيات الفنية مهمة للفنان وتثري رؤيته وتثقل خبراته الفنية، ولا شك في أن الملتقيين كان لهما تأثير مباشر في شخصيتي الفنية من حيث القدرة والانخراط والتفاعل وفهم وقبول تجارب الآخرين الفنية المختلفة.

هل يمكننا اعتبار البحث والتجريب في الفن التشكيلي هروباً من القوالب المتداولة؟

لا أستطيع الجزم بأن البحث والتجريب هروب من القوالب المتداولة، فالرؤية الفنية الخاصة بالفنان لا تأتي لمجرد الملل أو الهروب، بل هي عملية يحدث فيها تزاوج بين موهبة الفنان، وقدرته الابتكارية، والإدراكية، والوجدانية. تجمع عملية التجريب بين استمرارية التفكير الحر المنطلق الذي يتميز بالقدرة على الابتكار، وبين تحقيق مفاهيم مستحدثة غير مسبقة في البحث عن القيم الفنية، الشكلي منها والجمالي على حد سواء، فالتجريب من السمات الجوهرية للفنان فلولاه لما ظهرت المدارس والاتجاهات الفنية. والبحث والتجريب الدائم يتيحان الفرصة لابتكار حلول ورؤى فنية جديدة، من ثم إيجاد صياغات تشكيلية مبتكرة. كذلك يطوران في هذا المجال مع الاحتفاظ بالأساسيات الفنية التي هي ركيزة أي عمل فني له هدف ما، وهما عموماً جزء أصيل من التعليم الأكاديمي في الفنون.

أقرب الألوان

هل تسبق الفكرة اللون أم العكس، وما هي أقرب الألوان إليك؟

من وجهة نظري تسبق الفكرة اللون. عند الاستعداد لعمل فني ما، لا أعتقد أن الفنان يفكر في توزيع الألوان، أو يقرر أياً منها سيكون إلى جوار الآخر، بل تسيطر عليه فكرة ما بعناصر ومفردات تؤيدها. وعند تنفيذ الفكرة يختار ألوانه طبقاً لإحساسه. عموماً، الفكرة هي نتاج العقل أما اللون فنتاج المشاعر، ولا أنكر أن بعض الفنانين يسيطر عليه اللون على السطح الحامل، خصوصاً إذا تملكته حالة انفعالية ما، يصب خلالها ما يشعر به من دون تفكير مسبق، وفي بعض الحالات يدرك الفنان عمله بعد الانتهاء منه لأنه كان في حالة لاشعورية من شدة انفعاله على سطح اللوحة، فاللون هو العنصر الأساسي في الفن التشكيلي الذي يظهر الانفعالات المختلفة للفنان من دون التقيد بأية التزامات فنية.

عموماً أنا عاشقة للون في حالاته كافة من بداية وجوده حتى يستقر ويستكين في المكان والموقع الذي يختاره على اللوحة. أنحاز إلى الألوان الداكنة والرماديات والأخضر الداكن والأزرق المشوب بالأسود، وكثيراً ما تطل من بين هذه الألوان ألوان مضيئة تتراقص على سطح العمل بتوازن لتكون المدخل الرئيس والمتنفس، أو خلفية تؤكد ما يتقدمها من عناصر وألوان.

شهادات وجوائز

ضمّ معرض «والتقينا بالجنوب» بين جنباته حالة روحانية للفنانات الأربع اللواتي ذهبن بفضل لقائهن الفني إلى سمبوزيوم التصوير في الأقصر الذي نظّمه صندوق التنمية الثقافية وجمع الفنانات للمرة الأولى ليكون العهد في ما بينهن لتكرار اللقاء في معارض جماعية لاحقاً وكان «والتقينا بالجنوب» الأول بين سلسلة المعارض تلك.

يمثل المعرض في حد ذاته حالة فريدة من الانسجام الروحي والفني، وكتب عنه الناقد الفني أحمد سامح وعن لوحات جيهان فايز: «اختارت فايز بناء معمار لوحاتها بألوان صريحة زاهية وكتل لونية متداخلة نفذتها بالألوان الزيتية وألوان الأكريليك بتمكن شديد، اهتمت فيها بحياكة المشاهد الأمامية بنوع من التسطيح للكتل والمساحات والفراغات تاركة لألوان بسيطة مفردة احتلال خلفية لوحاتها، فهي تعبر عن مشهدية البناءات البسيطة لبيوت وعشش المهمشين لتأخذها إلى محور الاهتمام وكأنها تعيد من خلال الفن صناعة كونية العالم من وجهة نظرها لتعطي للهامشي دوره المستحق».

حصلت جيهان فايز على دكتوراه في فلسفة فن التصوير الجداري، وهي عضو في نقابة الفنون التشكيلية في القاهرة، وتعمل مدرسة في قسم التصوير بجامعة المنيا ومن معارضها «جداريات بتقنية فن الخزف»، و»استخدام عجينة الورق في فن التصوير»، و«جداريات لمنطقة أبو سويلم». كذلك حصلت على شهادات تقدير وجوائز عدة.