التغير بشكل عام والتغير الاجتماعي بشكل خاص أمر لا مفر منه، والتغير الاجتماعي لا يحدث من دون مقاومة، فهناك أطرافٌ متنفذة، تحاول، بكل قوة، المحافظة على الوضع القائم، ومقاومة التغير الإيجابي وتشويهه أمام الرأي العام لأنه يهدد مصالحها الخاصة، وهناك أيضاً من يقف ضد التغير الاجتماعي نتيجة جهل وعدم وعي، أو خوف من المجهول، لا سيما أن بعض نتائج التغير تظل مجهولة قبل حدوثه. الأطراف المتنفذة والمحافظة ينبغي على الدولة مواجهتها وتقليل درجة تأثيرها من خلال فتح مجال المشاركة المدنية الديمقراطية في إدارة الدولة والمجتمع، وفي صنع السياسات العامة، ثم إطلاق الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان والانفتاح الحضاري، أما مقاومة التغير الاجتماعي نتيجة تدني الوعي، أو الخوف من المجهول فتخف تدريجياً إلى أن تتلاشى، وذلك عندما تُوسّع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات العامة، ويتم إصلاح التعليم، وتطبيق مبادئ الشفافية، مثل رفع سقف حرية الوصول إلى المعلومات وتبادلها بحيث يعرف الناس ما لهم وما عليهم.
والمجتمعات البشرية دائمة التغير الاجتماعي- السياسي- الاقتصادي، فتاريخ البشرية في تطور مستمر وصعود دائم وإن كان لا يخلو، أحياناً، من المنعطفات الحرجة والمنعرجات الحادة التي قد تعوق تقدمه، وتعطله لفترة من الزمن، لكنه سرعان ما يستأنف السير للأمام. المجتمعات البشرية لا تعرف الثبات، فذلك يعني الموت والاندثار، وما كان مقبولاً من عادات وتقاليد وقِيم قبل عقد من الزمن قد لا يكون مقبولاً اليوم، فالعالم يتقدم، والعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية تتغير بتغير الزمان والمكان، والمجتمعات تعيش حالة تشكل دائم تعتمد نتائجها على طبيعة الصراع الاجتماعي- الاقتصادي الذي تحدد درجته التوازنات الداخلية في كل مرحلة من مراحل تطوره.والمجتمعات الحيّة والمتقدمة هي التي تكون قادرة على ضبط عملية التغير الاجتماعي- السياسي، ورفع درجة التحكم فيها بحيث تستطيع، بالعلم ووسائل التكنولوجيا، التنبؤ بنتائجها كي توجهها إلى مصلحة تقدمها وتطورها لا العكس، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عملية توجيه التغير الاجتماعي لمصلحة المجتمع لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا في حالة إنهاء احتكار السُلطة والثروة، وورفع سقف الحريات العامة، ثم طرح مشروع دولة المواطنة المتساوية الذي ينبغي أن يشارك في وضعه الجميع دون استثناء، وبالتالي، يتحملون ما يترتب عليه من آثار ونتائج وتبعات، وهو الأمر الذي يُضعف أي مقاومة داخلية مُحتملة تقف في وجه التغيرات الاجتماعية- السياسية. مشروع دولة المواطنة المتساوية هو مشروع الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم على العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، وهو حزمة إصلاحات سياسية- ديمقراطية متكاملة ومُستحقة في دول مجلس التعاون في هذه المرحلة التاريخية المضطربة، وذلك من أجل المحافظة على ديمومة الاستقرار الاجتماعي- السياسي- الاقتصادي الداخلي، ومواجهة التحديات والضغوط الخارجية.
مقالات
مشروع دولة المواطنة
02-10-2017