بانتهاء عرض فيلم «شيخ جاكسون» في الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائي (22-29 سبتمبر 2017)، ومن قبله في الدورة الثانية والأربعين لمهرجان Toronto السينمائي (7 - 17 سبتمبر)، انتهت ما يمكن أن نُطلق عليها موقعة «الفتنة الصغرى» لننتظر بداية معركة «الفتنة الكبرى». الانقسام الحقيقي يبدأ، من وجهة نظري، مع طرح نسخ الفيلم على شاشات العرض التجارية، واندفاع البعض من «هواة الشهرة» إلى رفع دعاوى حسبة، من تلك التي يزعم أصحابها أنهم «ظل الله على الأرض» أو«ظل البشر»، ضد أصحاب فيلم «شيخ جاكسون»، بحجج كثيرة ومتعددة، من بينها مثلاً أنه يزدري الدين أو يُعلي من شأن «مخنّث»، حسبما وصف مايكل جاكسون في الفيلم، على حساب رجل الدين! آليت على نفسي ألا أكتب نقداً سينمائياً وافياً عن الأفلام التي أشاهدها في المهرجانات انتظاراً لعرضها في الصالات التجارية، من ثم دخول «الجمهور» طرفاً أصيلاً في النقاش حول الفيلم، وعدم هيمنة «الناقد» وحده على دفة الحوار. من ثم، سأكتفي في هذه السطور بالتنويه ببعض القضايا التي فجرها الفيلم، على رأسها الربط بين العبارة التي بدأ بها: «إلى هؤلاء الذين صنعوا الذكريات»، والمكالمة الهاتفية التي جرت بين الكاتب عُمر خالد والمخرج عمرو سلامة، وسأله فيها الأول: «إيه رأيك في فكرة فيلم عن شيخ سلفي يحب مايكل جاكسون؟» فرد عليه الثاني: «يا نهار أسود.. ده أنا!».
الرغبة في التمرد على الفكرة التقليدية، والانقلاب على أسلوب السرد المعتاد، والجرأة في اقتحام بعض المناطق الشائكة، وربما المحظورة، كرصد الحصار المضروب على المجتمع المصري، بواسطة أدعية الاستيقاظ من النوم، ودخول الحمام والخروج منه، والخروج من المنزل، والذهاب إلى المسجد، ودخول المسجد والخروج منه، بالإضافة إلى أهم مشاهد ظهر فيها «نجم البوب مايكل جاكسون» بين جموع المصلين، وهو يرتدي سترته الشهيرة وقفازه فضلاً عن طاقيته، وقيادته ما يُشبه الرقص الجماعي خلف الإمام، الذي يُصارع أحد المصلين متوهماً أنه «جاكسون»، الذي جاء يُفسد عليه وعلى المسلمين صلاتهم، ثم النهاية التي يختلي فيها البطل بنفسه، في شقة العائلة القديمة، ويفتش في صندوق الذكريات، وبعد أن يعثر على الألبوم الذي يحتوي على أغاني «مايكل جاكسون» يبدأ بالرقص، باللحية والجلباب، وملامح القناعة والرضا والابتسامة بادية على وجهه، وكأنه استعاد نفسه... مشاهد يُنتظر أن تثير جدلاً كبيراً في حال لم يتجاوب البعض مع السياق الطبيعي الذي قُدمت من خلاله، حيث الشاب الذي أحب في طفولته وصباه «مايكل جاكسون»، وقاطعه، وهجره، عندما التزم دينياً، ومع إعلان وفاته في 25 يونيو عام 2009، استشعر وكأن زلزالاً هزّ كيانه، وضرب استقراره، وعاد ليراجع معتقداته وقناعاته!من دون النظر، بشيء من التعاطف، فضلاً عن الموضوعية والعقلانية، إلى هذه الحالة الإنسانية، والأزمة النفسانية، التي ينبغي أن نتعامل فيها مع «شيخ جاكسون» بوصفه صورة لمئات بل آلاف الشباب، الذين راحوا ضحية التخبط، والتشويش الذهني، بعد تعلقهم بأيقونات ظنوا أنها خالدة قبل أن يأتي من يؤكد لهم أنها لا تعدو كونها أوهاماً وأكاذيب تتعارض وتتناقض مع الدين، الأمر الذي أحدث فجوة نفسانية عميقة، وقتل فيهم مشاعر إنسانية نبيلة. لن يستسيغ البعض «شيخ جاكسون»، ولن يستطيع التجاوب مع تمرده، واختراقه ترهات صارت مسلمات لدى البعض، وسيخرج علينا من يتهمه بأنه «يشوه الإسلام» و«ينشر الكفر والضلال»، وربما يُطالب، في إطار تصفية الحسابات، بضرورة التفريق بين أصحاب الفيلم وزوجاتهم!«شيخ جاكسون» يُندد بالجهامة والقتامة التي يتعامل بها البعض مع الدين، وتدفعه إلى أن ينزع عنه سماحته، لكن الفيلم لم يسقط في فخ العتامة، والكآبة، واتسم بخفة ظل، وروح تفاؤل، وعذوبة وجمال، وتحلى برغبة، ربما تبدو يائسة في ظل الواقع الراهن الذي نعيشه، في استعادة هويتنا، والعودة إلى الدين بصورته المتسامحة، البعيدة عن التزمت والتعصب، والتطرف، وإن بدا متناقضاً مع نفسه عندما تبنى الدعوة إلى التمسك بإنسانيتنا، والاعتزاز بذكرياتنا، وعدم النظر إليها بوصفها «ذكريات الجاهلية»، التي ينبغي أن نُسقطها من حساباتنا، ونُكفر عنها لو استطعنا، في حين شدد، في مواضع كثيرة، على الحديث النبوي الذي يقول: «لَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ»، وكأنه يقول إن «الشيخ» و«جاكسون» في النار!
توابل - سيما
دعاوى الحسبة في انتظار «جاكسون»!
02-10-2017