في الوقت الذي ترتفع المطالبات لتكويت العديد من القطاعات القانونية والقضائية وإحلال العناصر الوطنية مكان الوافدة يتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة أراها جديرة بالطرح، وتأتي كرد على تلك المطالبات، وفي مقدمتها: هل نحن فعلاً جاهزون لذلك الإحلال؟ وهل نملك العناصر الوطنية المؤهلة فنياً وقانونياً وقضائياً لتحقيق ذلك؟ وإن كانت تلك العناصر الوطنية موجودة فهل ستكفي لتغطية الاحتياجات في تلك المجالات حتى نتمكن من الاستغناء عن العناصر الأجنبية؟وقبل أن يجيب مسؤولونا عن تلك التساؤلات المفصلية للوقوف على نجاح فكرة تكويت الأجهزة القانونية والقضائية في الدولة، يتعين علينا معرفة الجهود التي بذلت منذ 40 عاماً على الأقل من أجل تأهيل العناصر الوطنية التي ستحل يوماً مكان العناصر الأجنبية، أم أنه يتعين علينا اليوم البدء في عملية تأهيل الخبرات الوطنية في تلك المجالات.
ولأنني مقتنع تماماً بأن نجاح فكرة الإحلال والتكويت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالرد على تلك التساؤلات السابقة أرى أنه من الظلم مناقشة هذه القضية من دون البحث عن الحلول لإنجاحها فيما لو توافرت وقرر مسؤولونا العمل فعلاً لإنجاحها، لأنه أمر يدعو للفخر بأن يشغل أبناء هذا البلد جميع قطاعات العمل وهم يتمتعون بالكفاءة والخبرة العالية في ذلك.فبينما تعتمد أجهزة القضاء والفتوى والتشريع والبلدية ومجلس الأمة على العديد من الكفاءات والخبرات الأجنبية فإن تلك الأجهزة لم تتمكن من توفير العناصر المؤهلة والكافية لتغطية تلك المجالات بالأعداد التي قد تشغر فيها، في حال قررت الاستغناء عن الخبرات الأجنبية، وهي حقيقة يجب الوقوف عندها جيداً.وعلى سبيل المثال، فقطاعات السلطة القضائية كالنيابة العامة والمحاكم بمختلف درجاتها أو الأجهزة الفنية المرتبطة بها، وإن كانت تملك العناصر الوطنية المؤهلة، فإن عددها قليل ولا يكفي لمواجهة الأعباء الملقاة على عاتقها، وهو الأمر الذي يتطلب من الأجهزة المعنية في تلك السلطة العمل على زيادة أعضائها، وفي الوقت ذاته تنمية وتطوير مهاراتهم والعمل على رفع كفاءتهم وخبراتهم، وهو ما لا يمكن أن يتحقق فقط في أعمال التحقيق والفصل في الدعاوى، بل في أعمال البحث والتركيز على صقل قدراتهم في إدارة الجلسات ورفع مستوى الكتابة واستخلاص النتائج لديهم.أما القطاعات الأخرى كالبلدية وإدارة الفتوى والتشريع فيتعين عليها العمل على تطوير مهارات أعضائها لإحلالهم محل الخبرات الأجنبية في المكاتب الفنية لتلك الإدارات، لأنه من دون ذلك التطوير لأداء المحامين والمستشارين بمختلف المجالات القانونية والإشراف على الدعاوى القضائية وإبداء الرأي والمشورة القانونية لا يمكن الحديث عن الوصول إلى جيل يتم إحلاله مكان الخبرات الأجنبية المؤهلة لذلك.أما الإدارات القانونية والمكاتب الفنية التابعة للوزراء فهي مسؤولية تقع على عاتق الحكومة ووزرائها وبإمكانها الاتفاق مع معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية على توفير برنامج قانوني متخصص لتدريب الخبرات القانونية الوطنية في جميع الوزارات والهيئات المستقلة على صياغة التشريع واللوائح والقرارات الإدارية والتدقيق عليها والعمل على إعداد المشورة القانونية ومراجعة العقود وإعدادها والرد على الأسئلة البرلمانية، وذلك لأن هذه الجوانب بالأساس تعدها الخبرات الأجنبية في المجال القانوني.ومن دون العمل على تأهيل تلك القطاعات وتوفير الأعداد الكافية من الخبرات القانونية التي بالفعل تكون مستعدة للعمل مكان الخبرات الأجنبية، لا يمكن الحديث عن تكويت الأجهزة القضائية والقانونية، ويكون كل ما يطرح ويسوق في هذا الصدد بمنزلة قفز إلى المجهول، فتكويت الأجهزة يكون بتوفير البدائل المحققة له تماماً لا بسد الشواغر فقط دون الاكتراث بالتبعات!
مقالات
مرافعة : التكويت بين الحاجة والقفز إلى المجهول!
03-10-2017