إنجاز يبقى ناقصاً!
رصيد الدولة وسمعتها وثقة المجتمع الدولي بها وفرص نجاحها لا يمكن أن تحقق بإنجازات أو نجاحات فردية أو جزئية، رغم الثناء الكبير لمنجزيها، ولكن الأمر يتطلب بناء وطن متكامل بجسد صحي واحد، وروح صادقة لتدب الحياة في جميع مكوناته!
حققت الكويت إنجازاً جديداً على خريطة الاستثمار العالمي، تمثل في ترقية هيئة أسواق المال من سوق مبتدئ إلى سوق ناشئ، مما يعزز الثقة الدولية بأحد الأسواق الكويتية المهمة وهي البورصة، وبالتالي يفتح آفاق الاستثمار أمام المؤسسات والشركات المالية والاقتصادية الأجنبية ناهيك عن القطاع الخاص المحلي، ومن باب الإنصاف يسجل هذا النجاح لهيئة أسواق المال بقيادة الأخ الفاضل الدكتور نايف الحجرف وطاقم خبرائها الفني، ولكن تبقى في الحلق غصة أن مثل هذا الإنجاز يأتي متأخراً للبورصة الكويتية، وهي الأكثر عراقة في المنطقة، ولكن الأسوأ على الإطلاق في فضائح الفساد وعلى رأسها أزمة المناخ الشهيرة.نجاح هيئة أسواق الأموال يكشف بوضوح حجم المعاناة والكم الهائل من الجهد والإصرار المطلوب، بدءاً من خلق الأرضية التشريعية وانتهاءً بالتنفيذ والمتابعة لترميم ما أفسده منعدمو الضمائر في وقت قياسي، وهذا بحد ذاته مؤشر وتحدٍّ كبير آخر من البرامج الإصلاحية، والبحث عن قيادات ذات كفاءة فنية ومصداقية في الشرف والأمانة لانتشال بقية مؤسسات الفساد في البلد من المستنقع الذي تعشعشت فيه؟ خير دليل على ذلك أن ترقية هيئة أسواق المال عالمياً ومن قبل شركة "فوستي رسل" قد جاء وفق معايير الأداء الفني من جهة وسلطان الرقابة والشفافية من جهة أخرى، الأمر الذي قد يعيد الأنفاس إلى السوق العالمية تجاه الكويت، ولكن هل يكفي ذلك؟ التقرير العالمي للتنافسية في نسخته لعام 2017 في المقابل لا يبشّر بالخير، حيث أفاد بتراجع الكويت بمعدل 4 مراتب، أي من المركز 34 إلى المركز 38 عالمياً، وفق مقاييس كفاءة المؤسسات والبنية التحتية والاقتصاد الكلي والصحة والتعليم، التي تعتبر ضمن مؤشر المتطلبات الأساسية في المجتمع، وقد بررت هذه المستويات المتراجعة إلى هبوط أسعار النفط وضعف الموازنة العامة، رغم عدم منطقية هذا العذر بشكل عام، حيث إن كلاً من دولة الإمارات وقطر والسعودية التي تعاني المشكلة ذاتها في أسعار النفط قد حققت مؤشرات أوصلتها إلى القمة!
لكن وجود شخصية وطنية مثل الدكتور فهد الراشد على رأس اللجنة الكويتية للتنافسية يعطي الأمل في تعديل مسار هذا الأداء، خصوصا في ظل أمانة ونزاهة الرجل وشجاعته في تشخيص مكامن الخلل والإصرار على إصلاحها، الأمر الذي يرجح تحسن الموقف الكويتي عالمياً في المستقبل القريب.تبقى أم المصائب في تقارير مكافحة الفساد بشأن الكويت، وما تعكس من "سواد وجه" مستمر ومتنامٍ دون أن تكون هناك بارقة أمل على انتشال هذا الوضع المزري قريباً، فأخبار الجواخير والحيازات الزراعية مثلاً صارت عندنا مثل السَّلَطة التي تقدم يومياً على مائدة الغداء، وأصبح لها حصانة ومناعة دون خجل أو حياء.رصيد الدولة وسمعتها وثقة المجتمع الدولي بها وفرص نجاحها لا يمكن أن تحقق بإنجازات أو نجاحات فردية أو جزئية، رغم الثناء الكبير لمنجزيها، ولكن الأمر يتطلب بناء وطن متكامل بجسد صحي واحد، وروح صادقة لتدب الحياة في جميع مكوناته!